عظة المطران جاورجيوس في بيروت

mjoa Sunday December 16, 2012 86

فيما كانت كنيسة الأرض تأخذ منك جهدًا كثيرا استدعاك ربّك الى عرس الحمل والى كنيسة الأبرار لتذوق بهاءهم وفرحًا عندهم يدوم الى أبد الآباد. تُخاطبنا من فوق لتقول لنا إننا إن لم ننشدّ الى الصالحات الباقيات نكون رمينا أنفسنا في العدم. كان انتقالك تربية لنا لنعاشر السماويين علّ شيئا من غبطتهم ينزل علينا.

تريدنا أن نسهر على الكلمة التي استودعناها لئلا يغرينا التفه. واذا نظرنا اليك نعرف أنك ترفع عيوننا الى ربّك.

قد يكون صعبا التمرّن على الفراق ولكنك روّضتنا على أن الذين هم للمسيح ليس بينهم هوّة. انت سبقتنا الى الملكوت الآتي لتتربّع مع القديسين ونتوق اليك وإليهم فنخلد بسكنى الروح القدس فينا.

بعد أن تسلّحت به تدعونا الى أن نشتهي وجه الآب وحده، ولكونك ماثلا أمامه تتقوّى مرافقتنا اياك ونصبح بصوتك في موئل الطاهرين.

كنت تعود في معاشرتهم دائما الى بساطة المسيح التي تلغي كل فارق بين الأذكياء. ما الذكاء الحقيقي إلا التماع العقل الإلهي فينا. لم تُغْرك المنظورات ومعقولاتها لأن الذِكر الإلهي اقترب من سكناك، غير أنك من تراب مثلنا وكنت تعرف ذلك. لكنك كنت تؤمن ايضا أننا مدعوّون الى تجاوز التراب لنتسربل النور حسب قول الكتاب العزيز: “يا جميع الذين بالمسيح اعتمدتم المسيح لبستم”. ليس سهلا على أحد أن يسكن كيانه كله في النور الإلهي. مع ذلك كنت تعرف أن عقول البشر -وانت اليها في ثقافتك- ليست بشيء عند نزول الكلمة الإلهيّة.

هذا على صعيد الفكر. غير أنك فهمت أنه كُتب لك أن تتخطى العقل كلّه بانسكاب كلمة الله عليك لتكون فوق كل الكلمات. وهذا لا يحصل الا لمن تسربل فكر المسيح.

أقول كلّ هذا مستفيضًا لأنك تفلسفت كثيرا قبل ان تنطق بالإلهيات. ففي التربية التي تلقّيت والمعقولات التي نشأت عليها بدأت من البشرة بحيث انها كانت هي معراجك الى الإلهيّات، والكنيسة الأنطاكية بنوع فريد كانت في عصور جمالها تُركّز نفسها دائما على الجهد البشري في نسكها وسعيها في الكلام عن الله الذي لا يسوغ النطق به الا بعد رياضات الحب.

الكلام عن الحب الإلهي الذي هو وحده موضوع اللاهوت لا يأتيك الا اذا اقتحمك الحب كيانيا فتفهم عندئذ العلاقة بين الطاعة لله والكلام عن الله. غير أن اللافت فيك أنك لم تفصل بين الذوق الإلهي في داخلك وبين التكلّم بالشأن الإلهي في معاناة العقل البشري التي نشأت عليها.

ولكن العقل اذا استقلّ يعني انه لم يتغذَّ بالوحي وانه بقي لصيق الجسد والدنيا، وكلّنا يعلم ان لباسك الثقافي الأول كان الفلسفة، ومتابعوك يعلمون ان هذا العالم والفلسفة منه لا يكفي وأننا لا نستطيع ان نحيا ما لم يكن اللاهوت لباسا لنا.

هذا ما كُتب عليك او ما كُتب فيك حتى بدا للجميع انك رجل القلب ايضًا والقلب كان مصدر الصداقة فيك وأحببت بعضًا من بشر بقوّة المشاعر العظيمة التي جلّلتك.

وهذا لم يكن فقط من بشرتك ولكن من كيانك المتمسحِن عمقه فاستدخلت أصدقاءك قلبك وكنت تحبّهم ببساطة. لعلّ هذه هي الفضيلة التي سيطرت عليك وبها أطللت على الأطفال وخفت على الشيوخ وحسبنا ببركات هذه الإطلالات أنك ستبقى بين شيوخنا طويلا. غير أن الرب يستأثر بمن أحبهم كثيرا.

قل للمخلّص اننا بتنا لا نتّكل الا على إشفاقه على كنيسته. متى تصبح برأفاته العروسَ المشتهاة؟ سلّم على الذين يحبّون ان نلتحق بهم. ان الإله المبارك ينصت الى نجواك الضامّةِ ايانا الى رحمته.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share