عظة المطران جاورجيوس في دمشق

mjoa Sunday December 16, 2012 101

تعلو من أنطاكية إلى السماء التي اختارها الأبرار وطنا لهم. وذلك أنك سموت من مجد إلى مجد بما آتاك الرب الروح.

قلت الروح الذي نزل على ذكاء بشرتك والذكاء الذي كان يلتمع فيك كان ارتقاء بشريا. أما الروح فهبط عليك من الآب وفيه كنت تستريح وبفضل منه كنت تستكين بالمقامات العلى من المعرفة وكانت على كثافة واتزان ومنها أو إليها الكلمة السواء وبها كنت تكشف الإنجيل للمتهيئين له وهو الطامح إلى كل النفوس التي كُلِّفتَ رعايتها خدمة لراعي نفوسنا العظيم.

بنعمته غدوت أسقف سوريا إذا استعرنا عبارة شفيعك الذي أحس أنه دُعي إلى الإطلالة على البلد كله. والبلد الذي أنت منه كان قلب العالم المسيحي خلال عدة قرون بعد بزوغ نور الإنجيل في البدايات. أرادك ربك حاملا ثروة إغناطيوس الأنطاكي ورومانس المرنم وإليان الحمصي والذهبي الفم والدمشقي وهذا الأخاذ الكبير الذي هو مكسيموس المعترف البارز من حوران.

عندما نودعك الآن نحس أنك بطريقة أو بأخرى تجيء منهم وأننا نريد أن نجيء منهم أبدا ومنك بقدر ما ورثتهم. على مدى أجيال كثيرة كانت أنطاكيا يا سيدي المسرح الأول للإنجيل ولستُ أغالي إذا قلت إن الكلمة المسيحية ما عدا بعض أضواء في الإسكندرية قيلت هنا وذاق الناس فُتاتها في أصقاع أخرى.

والتوهج المسيحي العظيم في هذه الأرض نقله الإنجيل إلينا وذلك بواسطة الأكابر الذين قدسوا هذه البلاد. وجاء الرب إلينا بك بعد أن عرفناك خادما للكلمة.

ما أسكرتك الفلسفة التي تعلّمتها كثيرا وكنت دائما تعيش بالإنجيل كل فكر بحيث أمكنني أن أقول إنك لم تقف عند مقولة بشرية إذ كنت تعرف أن البشرة مؤقتة أو فانية كما كنت تعرف أننا، أهل أنطاكية، ما كنا قائمين بأجسادنا ولكن بكل كلمة تخرج من فم الله.

أجل نحن لا ندّعي أن مَنحَانا البشريّ شيء عظيم، ولكنا نزعم أن الباقيات فينا انحدرت إلينا من هذا الإنجيل القائم فوق الدهور وأنك أردت نفسك فقط خادما له.

لذلك كنتَ منذ تعليمك الأطفال والأحداث تبغي تركيز كل مسعاك الفكري على ما نطق به الله في كتابه الطيّب من حيث إنك ما كنت بطريرك الروم ولكن بطريرك الله على الروم وما سمّاهم ربك بهذه التسمية ولكنه نفخ في سفر الأعمال بهذه القولة: “ودُعي التلاميذ مسيحيين في أنطاكية أولاً”. فالكلام العزيز يعني بوضوح أن ثمة ارتباطا لا ينفكّ بين المسيحية وأنطاكية تراثَ عقل وتروّضَ نُسك وسهرا في رياضات النهار والليل ليتمجّد ربك من بادية الشام حتى سواحلنا. وأنت كنت على كل هذا المدى رقيبا. والرب كانت عيناه عليك وعلينا لنبقى على الإخلاص حاملين صليب المجد إلى كل قيامة في القلب والعقل ليبدو وجهُ يسوع ونعيش به إلى أبد الآباد.

وُلدت من الماء الطاهر والروح ونشأتك استقامة الرأي والعبادات من حيث إنك روّضت ذوقك على إنشادنا وعندما جئت بيروت يافعًا كنت من الراشدين بسبب من هذا المنحى العباديّ الذي طبع كيانك كله حتى ساغ القول إنك مع تروّضك على ما تيسّر لك من المعارف كان للناس أن يتبيّنوا في ذهنك وكلماتك الطابع الكنسي.

ولفت هذا أَترابَك إذ كنت مرتديا الثوب الإكليريكي في الجامعة الأميركية متفردا به وأصررت عليه لما بُعث بك إلى فرنسا للتحصيل اللاهوتي، وعند عودتك تسلّمت كلية البشارة في بيروت فالتمعَت بك وعُرفْت مربّيًا وإداريًا، وبدا هذا للرئاسة الروحية فأُسند إليك مسؤوليات عُليا في دير سيدة البلمند حتى تولّيت أبرشية اللاذقية ثم جلست على السدّة البطريركية ترعى المدى الأنطاكي.

ترفعُنا معك حيث أنت جالس الآن لنتابع المسيرة بالجدّ الذي لم يفارقك في أية مرحلة من مراحل حياتك، والكثير من الجد يأتي من هذا العقل، وراعيك مسيح الرب هو عقل الآب.

نحفظ كل ما أعطيت راجين أن يبقينا الرب على الإخلاص. لقاؤنا عندك إذا شاء السيد أن يكمّلنا بالرحمة.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share