البطريرك الأنطاكي يوحنا العاشر

mjoa Sunday December 23, 2012 77

مبارك الآتي باسم الرب
إنّ الذين عايشوا الأحداث الأنطاكية التي جرت بين رقاد غبطة البطريرك إغناطيوس الرابع وانتخاب غبطة البطريرك يوحنا العاشر باتوا على قناعة تامة أن الدور الأكبر في الاقتراع كان للروح القدس.
خلال الأيام التي سبقت انتخاب غبطة البطريرك، قام عدد كبير من المؤمنين في الأصقاع الأربعة من المدى الأنطاكي برفع الصلوات والأدعية المستمرّة ليهبهم الله من لدنه بطريركا حسب قلبه.
هؤلاء المؤمنون، وهم الأغلبية التي لا صوت لها في الكنيسة، كان يعتريهم خوف كبير وخشية حقيقية من إمكان وصول مرشّح محبّ للمال ومرتبط بالسفارات والسياسة إلى السدّة البطريركيّة.

عشيّة انعقاد المجمع المقدّس، أمضى أحد مطارنتنا الليل كلّه في الصلاة، فواجه انتقاد الكثيرين الذين أصرّوا على أن الوقت ليس وقت صلاة بل فترة درس الاحتمالات الواردة والعمل على التصدّي لها.
وفق تحليلاتنا الفقيرة والسيناريوهات المتعدّدة التي كانت مطروحة، اعتقدنا ان الانتخاب سيكون بفارق أصوات ضئيل لن يتعدّى الصوتين. تداولت وسائل الإعلام أسماء عديدة ولكن أحدا لم يطرح اسم المطران يوحنا (يازجي) متروبوليت أوروبا.
تواجَه في المجمع تيّاران. أحدهما يعطي الأولويّة للطائفة والثاني يضع رجاءه في الكنيسة الجامعة التي تحتضن الطائفة وتتخطى مفهومها الضيّق.
أما الله القدير فتجاهل تحليلاتنا كلها والسيناريوهات المطروحة كلها وحساباتنا الوضيعة البشرية بأجمعها. لقد ذكّرَنا أنّه هو سيّد كنيسته وان الظلمات لن تطغى عليها (أبواب الجحيم لن تقوى عليها). ما اعظم أعمالك يا رب! في وسط انشغالنا ننساك أحيانًا، أما أنت فلا تنسى أبدا.
إن سيرة البطريرك الجديد موجودة على الموقع الالكتروني لأبرشية أوروبا الغربية والوسطى للروم الأرثوذكس وهي شاملة ومفصّلة. أود أن أضيف في هذه العجالة ما لم يوضّح كفاية في السيرة.
نشأ البطريرك وكبر في أجواء حركة الشبيبة الأرثوذكسية في اللاذقية، مسقط رأسه. تعرفت إليه هناك عندما كان يتابع دراسته الجامعية في بداية السبعينيات. في ذلك الوقت كنت أمينا عاما للحركة وكان يتوجب علي زيارة مراكز حركية عديدة منها مركز اللاذقية.
خلال إحدى هذه الزيارات، طُلب إليّ أن أبدي رأيي بموضوع كان يشغل المسؤولين في الحركة هناك. فقد تقدّم عدد من الشبان الجامعيين بطلب للحصول على إذن لإقامة سهرانيات دوريّة والإفادة من برنامج تعليمي أكثر عمقاً من البرنامج الذي يتبعه باقي الحركيين.
لم يرق هذا الطلب للمسؤوليين الحركيين حينها خوفا منهم أن تتغذّى الروح النخبوية داخل الحركة ويدخل الشباب في تجربة الغرور والكبرياء. أمام هذه المسألة، قرّرت أن أتعرّف أكثر إلى أولئك الشبان الذين قاموا بالمبادرة. لم يكن عددهم كبيرًا، كانوا أربعة أو خمسة. عندما اجتمعت اليهم إكتشفت تواضعهم وذكاءهم وحتى ألمعيّتهم (معظمهم كان أولا في دراسته الجامعية) وكانوا على جدّية غير معهودة لأشخاص في سنّهم.
كانوا ممتلئين من تلك الشعلة التي لا نجدها إلا عند شباب لا يأخذون أنفسهم على محمل الجد. هذه شعلة الروح القدس.
نجحتُ في إقناع المسؤولين بإعطاء الشباب ما يطلبون فوافقوا شرط ان أجتمع معهم بانتظام. وهذا ما حصل واجتمعنا مرّات عديدة.
تعلّمت منهم الكثير. لقائي بهم كان يعيد لي القوّة ويغذّيني بالنور الذي كان يسكنهم. برز ثلاثة منهم، إثنان حصلوا على شهادة في الهندسة على ما أظنّ والثالثة (إذ كانت فتاة) على إجازة في الرياضيات قبل أن ينكبوا جميعًا على دراسة اللاهوت.
يشغل هؤلاء الثلاثة مراكز مهمّة اليوم في الكنيسة. واحدهم انتُخب مؤخرا بطريركًا على أنطاكية. والثاني هو المطران سابا (إسبر)، متروبوليت البصرى وحوران وجبل العرب في سوريا وهو من الاساقفة الأكثر التزاما بالرعاية المنفتحة والمُصلحة والتي تشجّع المؤمنين كافة على المشاركة في العمل الكنسي، بعيدًا عن الروح الإكليريكانيّةالمتفشّيةفي بعض أوساطنا الأنطاكيّة. أما ثالثهم فهي الأم مكرينا، مؤسّسة ورئيسة دير للراهبات قرب اللاذقية.
الصداقة التي جمعت الأشخاص الثلاثة والتي، منذ شبابهم، كانت منجذبة الى السيّد، تذكّرني أشد تذكير بالعلاقة التي جمعت الآباء الكابادوكيّين بالقديسة مكرينا!
ليعطنا الرب بأفعالهم وصلواتهم، وحماس المؤمنين الكبير واندفاعهم الذي رافق انتخاب غبطة البطريك، أن نتعاضد ونتضامن في العمل كي ينطلق البطريرك بخطى ثابتة على دروب التجدد الذي يميز دومًا حياة الروح في كنيسة الإبن.

لمطالعة النص بالفرنسية (هنا) 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share