في الغرفة العلوية المطلّة على صحن الكنيسة تصاعدت بهجة الاحتفال اليوم من قلوب اظلمتها قساوة هذا الدهر ورمت بأصحابها على هامش الحياة. هم يُعرَفون بالذين لا مأوى لهم، يلتحفون السماء، ليس لهم مكان يسندون اليه رؤوسهم. بعضهم فرنسي والآخر اجنبي، بعضهم اسود والاخر ابيض، بعضهم نظيف والآخر لا.
هؤلاء كلهم، من أرصفة النسيان جاؤوا، ومن أزقّة باريس الباردة لبّوا دعوة أصدقائهم من جمعية سانت اجيديو للاحتفال معا بعيد الميلاد.
على الموعد وصلوا، المكان مزين، وأصدقاؤهم المتطوعون كانوا باستقبالهم ليدلوهم على أماكنهم حيث دُوِّنت أسماؤهم.
هم عرفوا العديد من الجمعيات الاخرى التي تلتقي بهم في الشوارع لتقدم لهم مأكلًا او كسوةً، او جمعيات اخرى تقدم وجبة ساخنة ان لم ييأسوا من الانتظار في طابور لا ينتهي، الا ان سانت ايجيديو لها ميزتها الخاصة.
هذه الميزة عبرّت عنها إليز احدى المدعوات فقالت “ان الوجبة لذيذة والمائدة ملأة لكن ليس هو هذا الأهم، الأهم هو جوّ هذا اللقاء، أنا ما كنت أتيت لو ان صديقتاي ڤالنتين وكرين ليستا هنا ( مشيرة بعينيها الى متطوعتين جالستين بقربها على المائدة) فهما ورفاقهم منذ عدة سنين يأتون مرة في الاسبوع، بنفس الموعد، حتى لو كان الجو عاصفا او مثلجا، لملاقاتنا في الشارع، يقدمون لنا القهوة او الشاي ونتسامر بجوٍ مفرح” وأضافت “في الحقيقة هم اشخاص رائعون كثيرا ما يرفعون من معنوياتنا وينتشلوننا من يأس مميت” وأردفت ضاحكة: “بالحقيقة لا اعلم كيف ان كارين دائماً فرحة وتنشر السعادة أينما حلّت”
و اما باسكال فقال “هنا يقبلوننا كما نحن، وليس كبقيّة المجتمع”
وبعد الحلوى الميلادية والشامبانيا، طلّ بابا نوييل ووزّع الهدايا على الجميع، مشردين ومتطوعين، من ألبسة وكتب، كان المتطوعون قد اشتروها ولفوها بورق هدايا وكتبوا عليها اسماء أصحابها.
وفي الاخير، فاجأ احد المشردين الحضور بمعزوفة خلّابة على البيانو الذي صادف وجوده في الغرفة.
سانت اجيديو هي احدى الجمعيّات الكاثوليكية التي تعنى بالعمل الاجتماعي في كثير من دول العالم، قد نشأت بتأثير من المجمع الفاتيكاني الثاني، هدفها مقارنة الصلاة والاهتمام بإخوة يسوع الصغار.
اما في باريس، فتضمُّ بين اعضائها كاثوليكيين واورثوذكسيين وملحدين، جمعهم حبّ مساعدة الفقراء والاهتمام بالأطفال المحتاجين ودروسهم.