تنصرم السنة بعد يومين ونرجو ان تزول بهذا الأزمنة الرديئة وان تطل علينا أوقات مباركة نرى فيها لكل الناس العدل والسلام تفتتحها النعمة حتى نضع جهدنا في إطار النعمة لتجيء قلوبنا من قلب الله وهذا حاصل في الكيانات القادرة على رؤية الكيان الإلهي.
لا تنفع الحسرة على ما فقدناه من خيرات في السنة التي فاتت. انّما تقدّسنا فيها كل منا بقدر إخلاصه. والقداسة هي الخير الوحيد الذي يبقى من الزمان الفائت لأنها هي نفحة الرجاء وبه نسير الى المحبة. الزمان يطوي السيئات اذا ما تبنا ويترك لنا الصالحات التي نزلت عليه. فاذا ما كرهنا السيئات تزول واذا تذكرنا الصالحات تبقى في الآتيات من الأيام والله يخزن في قلوبنا ما أحبت ويمحو منها ما آذت نفسها به.
إن ذاكرة الخيرات تهيئنا لحياة جديدة. أما الخطايا فلا يجوز ان نذكرها خوف عودتها فاذا ما سكن الروح الإلهي فينا يطرد المعاصي ويربينا على ذوق الجودة الإلهية. والذوق والجودة يتآلفان في نفوس تتجدد في اشتياق وجه الله. وليس من توليف في النفس بين الخطايا والإحسان الإلهي الى ان يهبنا الرب من بعد موت حياة جديدة.
في جو هذا التأمل توق الجديد النازل علينا من فوق وليس من جديد سواه وهذه هي الجدّة انك لا ترث العتيق الذي ليس من الله ولكن من العالم البالي. انت وريث الله والا كنت من الفانين والجديد لا يعني الحاضر ولكن المنسكب مما فاض عن الحياة الإلهية. القصة ليست قصة زمان انقضى أو زمان جاء. انها قصة اللازمان فينا اي قصة انسياقنا الى الأبديات الحالة علينا في أزمنتنا ولكنها ليست من أزمنتنا.
على هذا المعيار تعيش ما جرى لك او معك من العام المنصرم. كان فيه الجديد الذي ألبسه الله إياك وفيه العتيق الذي حلّ فيه بالخطايا. الانسان تارة مرقع وطوراً جديد. والتجديد الأخير يبدأ بالموت وتتم الجدّة اذا انقرض الموت عند انصباب الرضاء الإلهي إذ يساكننا الله فيه.
على هذا الضوء تحاكم نفسك على ما كانت عليه في العام الذي انصرم. هذا لا يعني انك تدينها. ربك وحده يدينك كل يوم واذا كنت من التائبين يكشف لك دينونته قبل ان تموت لأنه يريدك ان تموت حسناً.
***
لا بد ان تقع اذا واجهت كل ما يؤتيك زمانك اذ يعسر عليك ان تتحمّل كل ما يواجهك من صعاب النفس. ولكن اذا كنت انسان الله ينتشلك هو بسبب حنانه وقد جئت من حنان لما ولدتك امك وذقت الكثير منه بعد سقطات وتجلى الله بين الرفعة والرفعة.
الرياضة التي يطلبها الآن ربك منك ان تفيد دائماً من الحسنات التي ذقت فهذا الذوق يربيك. ومعنى هذا في العمق ان تبني على الحسنات هذه لتشكر الرب أولاً وتعاهده ثانياً على الاستمرار بها من أجل صدقك في الاخلاص. هكذا فقط تعرف الجدة في الأزمنة الآتية اليك. ولكن لا تنسَ ان الزمان بحد نفسه لا يخلق الجدّة. ربك وحده ينعم عليك بها فتعرف انه هو وحده قوّة وجودك وارتقائك الى وجهه.
ولكن اذهب الى ربك مع الأحبة. خدمتك لهم في ان تحبهم حتى يشكروا الله اذا عرفوا انهم قائمون في محبته لهم ومحبتك لهم. لا تستطيع ان تصل الى الرحمن ما لم تكشف لأصدقائك رحمانيته فيصيرون له. انت لا تستطيع ان تسير اليه وحدك. فاذا اصطحبتهم واصطحبوك تعرفون معاً انكم سائرون اليه. ان وجه الله لا يمكنك ان تراه ما لم ترَه على وجه الإخوة. ربما كان من قبلت ان تراه يكشف لك وجه الرب.
هذه مرافقة لك ولهم وليس فيها زمان ولو جرت في الأزمنة. انها الأبدية فيكم ضمن الزمان الرديء او الزمان الطيب. الله يبيّن لك انه هو وحده الجودة فيما يأتي إليك كل وقت من اوقاتك. ليس التاريخ هو المهم. انه لا شيء ان لم يحل الله فيه، ان لم يصر فيك زمان الله.
هذا يعني ان الأبدية ليست آتية عليك من المستقبل. ان هي نزلت على حاضرك والآتي يصيران كلاهما مقام الله فيك. الأبدية النازلة على الزمان تجعله زمان الله. لذلك كان الله هو الجدّة.
***
واذا كان الأمر فينا هكذا يتطلّب منك هذا ان تملأ، السنة المقبلة، نفسك من الحضور الإلهي ليكون لها معنى. اما حشو الأيام والأسابيع والأشهر فيها بلا حضور إلهي فيجعلها بلا مضمون والمضمون هو الله نفسه.
اقول تملأ نفسك ونفوس من تحب. على هذا انت قادر والآخرون تدعوهم بحلاوة نفسك الى ان يطلّوا على الله فيطلّ عليهم. انت تشغل الأيام الآتية اليك. انك تجعلها اليك ان طلبت لها الرحمة العظمى.
ليس شغلك ان تهتم باليوم. كل يوم هو للرب اذا ظهر فيه للكنيسة او للإخوة الأبرار. شغلك ان تطلب اليه ان يحضر في كل ايامك وان تجعل كل وقت عندك افضل مما سبقه لأنك ان تجددت انت يمنحك ربك ان تجدّد الآخرين. حياة الرب فقط تطهرك من وطأة الأزمنة السيئة عليك فتصبح خليقة جديدة فيمسح الله من عينيك كل دمعة.