نتيجة لمسح ميداني منهجي، تبين ان المسيحيين في الاردن فقط من بين الدول العربية كلها يشعرون انهم متساوون حقوقا وواجبات مع المواطنين الاخرين، ولولا عـُوَار نظام الكوتا الانتخابي الذي يخصص للمسيحيين مقاعد في البرلمان مهما كانت نتيجة الاصوات، لما شعر المسيحيون باي تمييز لهم او ضدهم.
فما هي اسباب ذلك؟ وما هي الدلالات التحليلية لنسيج المجتمع الذي افرز ذلك الاستثناء؟
لقد تناقص عدد مسيحيي العراق من 20% من عدد السكان الى 2% منذ سقوط بغداد بايدى القوى الامريكية والبريطانية على شكل موجات تهجير قسري الى نزوح طوعي , وشمل ذلك الاشوريين والسريان والاورثوذوكس والمعمدانيين والانجيليين والكاثوليك بشكل خاص.
وشهدت الساحة السورية استهدافا للمسيحيين ادى الى ذبح العشرات من الكهنة و الشباب الى درجة ان الارمن في حلب استاجروا طائرات تشارترد اقلتهم الى ارمينيا إنقاذا لبناتهم وشبابهم.
ولم يتردد الاقباط عن اعلان مشاعرهم لما يعتبرونه تهميشا لهم في المواقع التنفيذية العليا على درجة حكام اداريين او محافظين او في القيادات العسكرية، حتى بعد ان استقال السيد رفيق حبيب المسيحي من موقعه الجديد وهو الذي كان محسوبا على الحركة الاسلامية في مصر باعتباره من مؤسسي احد احزابهم في عهد الرئيس السابق حسني مبارك.
وحتى في السودان، فقد وصل احتجاج المسيحيين هناك الى درجة امتشاق السلاح والثورة ثم الانفصال بالجنوب الثري نفطيا عن الشمال الفقير مواردا.
وفي الخليج العربي ايضا، وحتى بعد تشييد عشر كنائس هناك، فلا زالت الاصطدامات تتوالى كل راس سنة لمنع تزيين شجرة عيد الميلاد في الساحات العامة.
لقد انشات بعض وزارات الخارجية مكاتب خاصة لرصد مقاييس الحرية الدينية في الدول العربية، ومراقبة وجود اي تمييز بين المواطنين على اساس عـِقـْدي او ديني او مذهبي، وهالهم ما وصفوه بتميز النسيج المجتمعي في “الحالة الاردنية” حيث كان احد الوزراء من ابناء الطائفة البهائية المضطهدة في عدة دول عربية حتى ان حكم الاعدام ينتظر من يثبت عليه انتماؤه للبهائية.
وعرض التقرير اسماء 17 عائلة علوية وصل ابناؤها الى مراكز قيادية عليا في التعليم والادارة..
وقد ذكر التقرير اسماء ثلاثة من الاورثوذوكس وصلوا الى مراكز قيادية عليا وهم من الامناء العامين لاحزاب سياسية جماهيرية كبرى. فلماذا تميز الاردن عن الدول العربية الاخرى في موضوع قبول الديانات الاخرى واتباعها.
وهل خلق الله تعالى الاردنيين من فـِلِـزٍ خاص يختلف عن ابناء المنطقة كلها؟
ام لان المسيحيين جزءٌ اصيل في نسيج هذا الوطن منذ ان اعزوا جيش الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في طريقه الى القدس، فلـُقِـبوا بالعزيزات، واعفاهم الخليفة عمر من الضرائب؟
يقول البروفسور محمد خريسات، وهو المرجعية الاكاديمية الكبرى في الدراسات التاريخية، ان ميزة الاردن انه يرحب بجميع من يفد اليه، ولا يميز بين ضيف وضيف، ثم تبدأ عملية استيعاب الجميع وهضمهم للمساهمة في بناء الصورة الجديدة للوطن.