ترأس غبطة بطريرك أنطاكية وسائر المشرق يوحنا العاشر قداس رأس السنة في الكاتدرائية المريمية في دمشق

mjoa Wednesday January 2, 2013 88

“بارك ياربّ إكليل سنة خيريّتك”، هذا ما تضمنته خدمة هذا اليوم الليتورجية وما فاهت به قلوب المؤمنين قبل شفاههم. ففي اليوم الأول من السنة الميلادية الجديدة، ترأس غبطة بطريرك أنطاكية وسائر المشرق يوحنا العاشر القداس الإلهي في الكاتدرائية المريمية في دمشق. وشاركه الخدمة الأساقفة موسى (الخوري)، لوقا (الخوري)، نقولا (بعلبكي)، اسحق بركات وإفرام (معلولي) ولفيفٌ من الكهنة والشمامسة.

 

 

قداسٌ إلهيٌ كبيرٌ نقله ا…لإعلام المرئي والمسموع فبلغ الصوت الأنطاكي أصقاع المعمورة بأسرها، فتلقفته الآذان وسرت به القلوب، هو صوت سلاميٌ بثّه صاحب الغبطة رغم الجرح النازف. فقد خاطب غبطته في عظته أبناءه متمنياً أن تكون السنة الجديدة مبعث خيرٍ ورجاءٍ في قلوبهم وأن تكون جِدّتها مستمدّةً من مصالحة الإنسان مع ذاته ومع الله عبر علاقته بالإنسان الآخر. وأكد أيضاً أن المسيحيين هم مشرقيون، ومشرقيتهم ضاربةٌ في التاريخ ومستمرةٌ رغم المحن وصنوف المخاطر. وأطلق غبطته نداءً للسلام والحوار في سوريا مؤكداً أن صوت المعول الذي نبني به المستقبل لأفصح وأحلى من رنين السيف. ومن مريمية الشام خاطب أبناءه في لبنان الحبيب مؤكداً على ضرورة العيش الواحد في البلد الواحد. وبعدما حيّى أبناءنا في الشرق كله وفي بلاد الانتشار مباركاً إياهم، اختتم غبطته عظته بكلامٍ ولا أحلى من الكتاب المقدس، كلامٍ يدلل على عناية الرب بكنيسته وبأبنائها مهما قست الظروف واشتدت النوائب: “أنا الرب حارسُها في كل لحظة أُسقيها، ولئلا يُساء إليها أحرُسُها ليلاً ونهاراً” (إش 27: 3).

 

 

 

 

 

 


العظة كاملة :

نُطِل عليكم أيها الأحبة خلال هذه المواسم المباركة والأعياد المجيدة، عيدِ الميلاد وعيدِ رأس السنة والعيدِ الآتي عيد الظ…هور الإلهي أو كما نسميه الغطاس.
وإننا نحييكم ببشرى العيد وفرحه، هذا الفرحُ الذي تعطيه السماء لنا لأن رب السماء قد جاء إلينا “لكي ما تكون الحياةُ لنا وتكون لنا أوفر” كما يقول الكتاب.

نعم، أيها الأحباء، للعيد وجهان: وجه تاريخيٌ ووجه خلاصيٌ أسراري. إنه من ناحية حدثٌ تم حقيقةً في التاريخ، ولكنه تمّ من أجل خلاص الإنسان. ولهذا، فهو من ناحية أخرى ثانية وقفةٌ وُجدانية أمام الحدث الخلاصي. هو حدثٌ روحيٌ تممه الرب ويتحقق في قُدْسِ أقداسِ الانسان، في قلبه وفي كيانه الداخلي، إنه لقاءُ الله مع البشر والذي يحصل من خلال تطهيرِ القلب ورفعِ العقل والذهنِ إلى السيد، له المجد، لاستقبالهِ في داخلنا كما شاء هو.

رأسُ السنة هو عيدُ الرجاء، أي التشبثُ بالرجاء الذي فينا. وبالتالي يكونُ العيدُ ذاك الحدثَ الذي يحصل في أعماق الإنسان، حدثاً تشارك فيه روحُه ونفسُه وقلبُه مع جسدِه ليعيشَ فرح اللقاء مع الله، نعم هذه هي “العبادة الروحية” التي يطلُبُها منا الرسول بولس في رسالته إلى أهل رومية؛ عندما يقول: “إني أناشدكم إذاً، أيها الإخوة، بحنان الله أن تقرِّبوا أشخاصكم ذبيحةً حيةً مقدسةً مرضيةً عند الله. فهذه هي عبادتكم الروحية” (رو12: 1).

اليومَ هو اليومُ الأول من عام جديد. هذا يعني أن نبدأ سيرةً جديدةً وأن ننطلق انطلاقة جديدة في كل مناحي حياتنا، كي تكونَ بحسب مرضاة الله، “لأنْ نكونَ خدّامَ عهدٍ جديد” (2كو 3: 6). “لأننا إن كنا عرفنا المسيح حسب الجسد” (2 كو 5: 16)، كما عيَّدنا له أي في عيد الميلاد المجيد، فنحن خليقةٌ جديدة” (2 كو 5: 17). هذا هو العهد الجديد: “يقول الرب إني لأجعلُ شريعتي في ضمائرهم وأكتُبُها على قلوبهم فأكونَ لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً” (عب 8: 10).

لهذا نحتفل بالأعياد ونرفع التسابيح للرب العلي ليس بطريقةٍ عالميةٍ وابتهاجاتٍ تكونُ خاليةً من أي معنى في كثير من الأحيان، بل بحفظ وصايا الله والسعي لعيشها لكي يعمَّ تعمَّ العالم أجمع. فهو القائل “يا بنيّ لا تنسَ تعليمي بل وليحفظ قلبُك وصاياي. فإنها تزيدُك طولَ أيامٍ وسني حياةٍ وسلامة…لا تفارقُك الرحمةُ والحق… فتنالَ الحظوةَ وحُسْنَ التعقل عند الله والناس” (أمثال 3: 1-4).
في رأس السنة نتكلم عن عام جديد، والجديد هنا يعني دَحْرَ الماضي القاتم المظلم. وإننا في كنيستنا الأنطاكية سنكون بنعمة الرب في تجديد وتحديث دائمين، في نهضةٍ نورانيةٍ تجمع دائماً بين التقليد والحداثة، وسوف نواكب في خدمتنا الكنسية، بكافة أشكالها الروحية والرعائية والإدارية، سوف نواكب العصر والتكنولوجيا، وذلك كلُّه كي ننقلَ البشارةَ الجميلة إلى الإنسان.

نعم، يا أحباء، يمُرُّ هذا العيدُ ونحن نتساءلُ عما يجري في بلادنا، في المشرق بشكل عام، وفي سوريا بشكل خاص، ونقول: “كيف صارت المدينةُ الأمينة خاطئةً! كما يرد في الكتاب المقدس: لقد كانت مملوءةً عدلاً وفيها مبيت البر، أما الآن!!!” (اش 1: 21). نرفع صلواتنا إلى العرش الإلهي لكي يرأف بنا إله الرأفات، الله الرحمن الرحيم، لكي ينزعَ من أرضنا الخصومات ويحفظَ هذا الشعب، شعبَنا المحبَّ للحياة والمحبَّ للسلام، وأن يُبعدَ عنا كل مكروه، وأن يُلهمَ أولئك الذين يزرعون البغضاءَ والتفرقة. فالله يقول في الكتاب المقدس: “هذا ما يُبغضه الرب.. وهي مَكْرَهة نفسه… ما هو؟: شاهدُ الزور الذي ينفث الأكاذيبَ ويُلقي النزاعَ بين الإخوة” (أمث 6: 19). وفي موضع آخر “فمُ البار ينبوعُ حياةٍ وأفواهُ الأشرار فتستر العنف” (أمث 10: 11). فلنسعَ إِذاً إلى الحوار والسلام لبناء بلدنا.

نعم، أيها السوريون الأحباء جميعاً بكافة أطيافنا وتنوّعنا؛ فلنبدأ في هذا العام الجديد بداية جديدة: “المحبة والسلام”. ولنسع لكي نفرحَ بما أوكلنا الله به في هذا البلد الطيب وفي هذه الأرض التي تقدست برسالات السماء وجُبِلت بالإيمان، ولنقلْ ما يقولُه ربُّ العالمين: “بسعادة الأبرار تبتهجُ المدينة… ببركة المستقيمين ترتفع” (أمث 11: 11).

وأنتم أيضاً أيها اللبنانيون الأحباء، نحن لا ننساكم من على هذا المنبر الشريف من الكنيسة المريميّة في الدار البطريركية في دمشق، وإننا نؤكد على “شراكة الحياة” القائمة على مبادئ العيش الواحد في الوطن الواحد ضمن احترام التنوع والخصوصيات، فشراكةُ “المواطنة” هي التي تساوي بين الجميع وتَضْمَنُ لهم الحريَّةَ والكرامةَ ونموَّ العيش الكريم.

كما أننا لا ننسى أحبَّتَنا في فلسطين، مهدِ المسيح، وكذلك في العراق وفي أرجاء المنطقة بكاملها ومشرقنا العربي. وإنني أحيي اليوم، بمناسبة بدء هذا العامٍ جديدٍ، الذي نرجوه آتياً إلينا بالبركة والطمأنينة والسلام، أحيي جميع أبنائنا في الوطن وبلاد الانتشار جميعاً.

وإننا وإخوتَنا المسلمين شعبٌ واحدٌ نجتمع في الأرض، كما نجتمع في الإيمان بالله الواحد الأحد جَلَّ جلاله، وهو الذي يدعونا معهم إلى التحلي بالحكمة حيث يقول في كتابه الكريم: “ادعُ إلى سبيل ربّكَ بالحكمةِ والموعظة الحسنة” (سورة النحل 125). لذلك في بدء هذا العام نسأل الله وإياهم رحمةً من عندهِ أن يَهديَ قلوبَنا ويجمعَ أمورَنا ويُزكِّي أعمالَنا، وأن يرزُقَنا حُسنَ النظر إلى وجههِ الكريم مع الأنبياء والصالحين، وأن يقوينا لكي نسعى إلى المصالحة دوماً، مصالحةِ النفس مع الله ومصالحةِ الإنسان مع أخيه الإنسان، وهو القائل دوماً: “الصلح خير” (سورة النساء 125). فلنطلب الحكمة لخير الجميع كما يقول الكتاب: “الحكمة خير من كافة الآلات” (جا 9: 18).

نعم، أبناءَنا، المسيحيين، نحن على ثقة كبيرة بأن الرب الإله هو الذي يهتم بكنيسته وبرعيته لأنها جسدُه، وهو القائل: “أنا الرب حارسُها في كل لحظة أُسقيها، ولئلا يُساء إليها أحرُسُها ليلاً ونهاراً” (إش 27: 3). نحن مشرقيون وجذورنا ضاربةٌ في هذه الأرض المشرق ونحن باقون مع شعبنا وإخوتنا، نعمل يداً بيد، لنكون رسالةَ حبٍ وفرحٍ وسلامٍ وثقافةٍ وعراقةٍ، كما أرادنا السيد المسيح.
نعم أيها الأحباء، نرجوه عاماً جديداً حاملاً البركة والطمأنينة والسلام.

ألا بارككم الله جميعاً وكان معكم أجمعين.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share