حول مقدمة كتاب «نحن والمسيحية»

mjoa Wednesday January 2, 2013 105

في مقدمة كتابه «نحن والمسيحية» («السفير» 22 كانون الأول 2012) يبدو لي ان المؤلف السيد عز الدين عناية يتعثر في أمرين:
الأمر الأول: اعتبار ان دراسته في مؤسستين إسلامية (جامعة الزيتونة في تونس) ومسيحية (جامعة الفريتورية في روما) تشكل «خلاصة تجربة بشأن الآخر». والواقع ان دراسة الدين الآخر شيء، وفهم أمر العيش مع أهل الدين الآخر شيء آخر مختلف تماماً.

قد يكون المؤلف من خلال ازدواجية دراسته في الجامعتين قد اكتسب معارف واسعة وعميقة عن الديانتين الإسلام والمسيحية، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة انه اكتسب خبرة التعايش بين أهل الديانتين او انه عاش الحياة المشتركة بكل جمالات تحدياتها.. وبكل بشاعات استغلالاتها السلبية.

تنعكس هذه الحقيقة في الأمر الثاني، والمتمثل في قول المؤلف «ان المسيحية المحلية بسبب ارتباطات لاهوتية تتشابك مع استراتيجيات كنائس خارجية غالبا ما استظلت بها المسيحية العربية طلبا للنصرة، الأمر الذي زعزع مفاهيم الولاء والانتماء في الداخل».

يدل هذا الاعتقاد على عدم معرفة باصالة الكنيسة العربية وبدورها في النهضة العربية وفي اغناء التراث العربي، كما يدل على جهل بدور الأديرة المسيحية في المحافظة على اللغة العربية، لغة القرآن الكريم من «التتريك». ثم ان هذا الاعتقاد سلبي للغاية، لانه ينكر دور المسيحية العربية في التأثير في مواقف الفاتيكان خاصة من القضية الفلسطينية، وبالتالي من تأثير الفاتيكان في مواقف الدول الكاثوليكية في العالم من هذه القضية القومية. فالمسيحية العربية ما استنصرت يوما بالكنائس الخارجية او استظلت بها. بل على العكس، كانت (المسيحية العربية) ضحية من ضحايا غزوات الفرنجة (الحملات الصليبية)، ولعل الكاتب لم يسمع بالمطران كبوجي الاسقف الكاثوليكي الذي كان يهرب السلاح والمال إلى المقاومة الفلسطينية في الداخل الإسرائيلي.. او بالمطران عطا الله الاسقف الارثوذكسي الذي يقود في القدس المحتلة حتى اليوم حملة دينية ـ وطنية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وضد بيع او تأجير أراضي الوقف الارثوذكسي من إسرائيل. صحيح ان دولا غربية عديدة تدخلت في الشرق في القرن التاسع عشر تحت مظلة «حماية المسيحيين»، وهو ما يعرف بالمسألة الشرقية، ولكن الوثائق التاريخية تثبت ان المسيحيين العرب والمشرقيين لم يطلبوا تلك الحماية ولم يستقووا بها.

من الظلم اتهام الكنائس العربية بأن لها «ارتباطات لاهوتية مع استراتيجيات كنائس خارجية». فالكنائس الارثوذكسية على تعددها مستقيمة الرأي ولم تنظر يوما إلى الخارج. بل كانت دائما في صدام مع الخارج للمحافظة على اصالتها. اما الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة المارونية فإن مرجعيتهما الفاتيكان وهو مرجعية روحية لا اهداف سياسية لها ولا مصالح اقتصادية. وعندما ابدى الفاتيكان اهتماما بمعاناة بعض مسيحيي الشرق عبّر عن هذا الاهتمام بدعوة المسيحيين الى التجذر في اوطانهم والى المساهمة الفعالة في تنميتها وتطويرها كما فعلوا على مدى التاريخ. ولا يمكن ان يفهم من هذه الدعوة على انها تدخل في الشؤون الداخلية للدول المعنية. ومن الظلم أكثر الادعاء أن ذلك «زعزع مفاهيم الولاء والانتماء في الداخل». وثمة ادلة كثيرة على عدم صحة الاتهامات التي ساقها المؤلف للمسيحية العربية، منها على سبيل المثال لا الحصر الموقف المبدئي الذي اعلنه مجلس كنائس الشرق الأوسط (والذي يضم جميع كنائس الشرق) ضد الحركة الصهيونية المسيحية في الولايات المتحدة التي تعتبر الانتصار لإسرائيل انتصارا للارادة الالهية. فقد وصف المجلس في بيانه هذه الحركة بانها تشوه المسيحية وتسيء إليها. كما تتمثل في أن العديد من قادة حركات التحرير الفلسطينية هم من المسيحيين العرب.

ثم ان المسيحية العربية تاريخيا هي سابقة للإسلام. وهي اصيلة في عروبتها وفي مشرقيتها. وكنائسها هي كنائس رسولية وليست كما ورد في المقدمة انها «فقدت استقلاليتها اللاهوتية والمصيرية». وكيف تففد الكنيسة الارثوذكسية مثلا استقلاليتها امام «مرجع» لا تعتبره من حيث المبدأ مرجعا لها؟

ليست المسيحية، كما ادعى الكاتب المحترم، «قضية اشكالية في البلاد العربية». المسيحية جزء من الهوية العربية. وهي مكوّن روحي وثقافي وقومي من مكوناتها المتعددة.

الأمين العام للجنة الوطنية المسيحية الإسلامية للحوار

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share