منعت سلطات الاحتلال ، المسيحيين في قطاع غزة ، الذين اعمارهم من ١٦ الي ٣٦ عاما ،من السفر الي بيت لحم لحضور الاحتفالات بعيد الميلاد .
الأسر التي سمح لها بالسفر كانت تترك الأبناء او الآباء والأمهات الذين ينتمون الى الفئات العمرية المحظورة . مثل هذا الإجراء لم نر أية ردود فعل منددة به من قبل الحكومات الغربية ، ولو ان اي حكومة عربية او اسلامية قامت بمثل هذا الإجراء لقامت الدنيا ولم تقعد.
بالطبع ، الفلسطينيون المسيحيون في القدس ورام الله ليسوا افضل حالا ، فمنذ الاحتلال عام ٦٧ تعرض المجتمع المسيحي لعمليات منظمة من الضغوط والممارسات أدت الى نزوح وهجرة مئات الآلاف منهم من القدس وبيت لحم وغزة ، وهذا يدل على ان التطرف والتعصب الصهيوني لم يكن موجها ضد المسلمين فقط انما كان ضد الفلسطيني بغض النظر عن ديانته . ومثلما تعرض المسجد الإبراهيمي للسطو من قبل العصابات الصهيونية فان ممتلكات الكنيسة وكذلك المواطنين المسيحيين تم الاستيلاء عليها وبناء المستوطنات مكانها خاصة داخل القدس الشرقية المحتلة وفي الاحياء التاريخية داخل الأسوار.
من المؤسف ان تتجاهل وسائل الاعلام العربية والعالمية ذلك و تهتم فقط بنقل احتفالات بيت لحم ، التي تشاهد من قبل مئات الملايين في العالم ، بينما تغض الطرف عن واقع الناس تحت الاحتلال وعن الانتهاكات التي تتعرض لها الاماكن المقدسة للمسيحيين ، اما الاحتلال فقد حرص على اختطاف المشهد من خلال الزج برايات اسرائيل وفرضها على المواكب عند مدخل مدينة المهد . وهكذا يمضي بين الاقدام خبر منع عائلات المسيحيين في غزة من اصطحاب أبنائهم الشباب الى احتفالات الميلاد دون إثارة أية علامة استهجان.
ومن المؤسف أيضاً ان توجد ظروف في العالم العربي تسمح بأفعال ومواقف تحاكي المخططات الصهيونية وتخدمها ، بافتعال العداء ضد المسيحيين العرب كما حدث في العراق ويحدث في سوريا ومصر . فالمسيحيون في العراق ( على سبيل المثال ) الضارب وجودهم في أعماق تاريخ بلاد الرافدين كان قد تعزز وجودهم فيه في عهد الخليفة عمر بن الخطاب عندما وطن فيه مسيحيي نجران اليمنيين في القرن السابع الميلادي . لكن هذا التاريخ تم اختراقه بسهولة في ظل الاحتلال الامريكي الذي استعان بالفكر الصهيوني ليرسم مستقبلا ممزقا للعراقيين، قائم على سياسة الاقصاء الطائفي ، وسياسية القوي يأكل الضعيف.
التطرف بكل ألوانه واطيافه السياسية والمذهبية والدينية بات يشكل خزانا ضخما من الأوكسيجين يمد اسرائيل ومخططات التهويد بالقوة في القدس ويمنحها القدرة على مواجهة الامة العربية بكل ثقافاتها التي تعايشت عبر الأزمان والتاريخ ، هذه الثقافة التي منحت العرب أسس وقواعد البقاء والاستمرار بمواجهة الغزوات العسكرية والثقافية الآتية من الشمال والشرق على مدى القرون الطويلة الماضية.
التعدد الثقافي والديني بين العرب ليس منحة من اي نظام سياسي ولا هو مسألة عابرة في تاريخ شعوب المنطقة ، انما جزء عميق من جذورها وتكوينها . وكل من يزعم بان تعصب الأغلبية حق ، وان الأقلية على باطل ، انما يقف في نفس الخندق الصهيوني السرطاني ، الذي وضع على رأس أهدافه منذ ان كان الكيان الاسرائيلي مجرد فكرة ، ان يشعل نار تعصب مذهبي وديني في منطقة الهلال الخصيب بشكل خاص من اجل ان يكون اليهود في دولتهم المسخ ، الطائفة الاكبر والاقوى .التعصب الديني هو سعي الى سلب العرب من عامود وحدتهم ، وخدمة لبن غوريون في ترابه ، لانه هو من وضع الدويلات الطائفية برنامجا سياسيا لمستقبل اسرائيل.