توجه غبطة بطريرك موسكو وسائر روسيا كيريل راعي الكنيسة الأرثوذكسية الروسية برسالة تهنئة الى المسيحيين الارثوذكس يوم الاثنين 7 يناير/كانون الثاني بمناسبة عيد ميلاد السيد المسيح جاء فيها :
تهانيي القلبية لكم جميعا أعزائي بمناسبة عيد ميلاد المسيح، ففي كل عام عندما نتلمس هذا العيد ونحاول التعمق في معنى ذاك الحدث الذي اقيم على شرفه العيد هذا ، يمكن القول باننا نتلمس أمرا خفيا، ألا وهو سر ميلاد الرب وسر دخوله إلى التاريخ الانساني.
وعن هذا تحدث يوحنا فم الذهب بحديث رائع جاء فيه ” الرب تجلى في شكل إنسان دون أن يتخلى عن ربوبيته، هذا الذي لم يسعه الكون وسعه كهف المهد”. وبالفعل الرب الذي لا يسعه الكون، فخالق العالم وواهب الحياة وصانع كل ما يحيط بنا يصبح واحدا منا، ويدخل في لحم ودم التاريخ الانساني.
منذ البداية استقبل الناس هذا الحدث الذي لا يستوعبه العقل مختلفين، فالبعض تقبله بسرور وأمل وحب، وهؤلاء كانوا رعاة بيت لحم وكل من كان حول المسيح والسيدة العذراء ويوسف النجار، وهناك أناس أخرون نظروا بقلوب صافية وأرواح نقية إلى الرضيع الذي كان ميلاده معجزة في مغارة بيت لحم. ولكن كان هناك أيضا من لم يقبل المسيح منذ البداية ، وهؤلاء لم يسمحوا لمريم العذراء ويوسف النجار بالدخول إلى دورهم أو التواجد بينهم خوفا من هدم هدوء عيشهم وعيش من يؤونهم. إضافة لذلك كان هناك أخرون مثَل ميلاد المسيح تهديدا وتحديا لسلطتهم وملكهم وقوتهم وعظمتهم، وقبل كل شئ نمط حياتهم الحرام الغارق في المعاصي والذنوب.
وعلى مدار الألفي عام لم تتغير الصورة تقريبا، فالعالم منقسم إلى هؤلاء الذين يقبلون المسيح بسرور ويربطون حياتهم ومصيرهم به ويعطونه عقولهم وقلوبهم ويجدون فيه الهدوء والسعادة ومعنى الحياة، غير أن هناك أخرون لا يمكنهم قبول المسيح، لأن ذلك يعنى بالنسبة لهم إعادة النظر في نمط حياتهم المعتاد والتخلي عن تصورات قريبة لهم وعزيزة عليهم، إذ من المعروف أن قبول المسيح لا يتطلب فقط الرضوخ العقلي لحقيقة تجليه في جسد إنسان، وإنما يتطلب أيضا تغيير نمط الحياة، والكثير من الناس غير مستعدين لهذا التغيير، والكنيسة على مدار تاريخها كان لها تعامل مع هؤلاء وأولئك. وهؤلاء الذين لا يقبلون المسيح ليسوا أعداءا للكنيسة، فالرب قد أتى من أجلهم أيضا، ومهمة المسيحي وهدف الكنيسة أن يؤمن هؤلاء الذين لا يؤمنون به ويقبلونه بكل قلوبهم.
هناك أشياء أخرى تعلمنا إياها هذه القصة المرتبطة بميلاد المسيح والحدث المحيط بهذه القصة، فإذا كان الرعاة والبسطاء من الناس هم من قبلوا المسيح، أليس يعني هذا أن علينا اليوم البحث عنه في غير تلك الأماكن التي يبرق فيها الذهب أو تلك حيث القوة والجبروت والعظمة، وانما هناك حيث الضعف والحاجة، ولهذا السبب توجه الرب إلى أتباعه بالقول أنه من الضروري لبلوغ ملكوت الرب عيادة المرضى وزيارة المسجونين وإقتسام النعم مع المحتاجين لمساعدتنا. وعلى رأس هؤلاء المعاقون وكبار السن والأطفال، وأريد هنا التحدث عن الأطفال بوجه خاص في هذه الأيام، فلدينا العديد من الأطفال اليتامى حتى في ظل وجود أبوين أحياء، ولكم من المهم أن يقبل أبناء شعبنا بكل سعادة في أسرهم اليتامى وأن يقدموا لهم ليس فقط النسب والتربية، ولكن أيضا الحب، فالرب يقول: لا تعيقوا الأطفال في الوصول إليّ. وبمعنى أخر، علينا جميعا التسلح بفهم كم يعني الأطفال في عيون الرب.
وبمناسبة عيد ميلاد المسيح ، أود التوجه بطلب إلى كل من لديه القدرة على إتخاذ خطوة تجاه تبنى الأطفال ومساعدة اليتامى أن يقدموا على هذه الخطوة، فلا ينبغي أن يكون في بلادنا يتامى، إذ لابد لكل من ليس لديه أبوين أن يحصل عليهما في صفوف الطيبين الشرفاء.
ليباركم الرب جميعا، وليعين كل واحد منكم على طريق الحياة المسيحية! ولأولئك الذين يقتربون فقط إلى الفهم، فليكن سر ميلاد المسيح معكم! وبهذا السر ومعرفة الرب أتمنى النجاح في هذا الطريق الصعب، ولكنه المنجي لا ستقبال المعنى الحقيقي للحياة الذي يتجلى لنا في ميلاد المسيح المخلص.
مرة أخرى أهنئكم بالعيد ولتحفنا جميعا بركات الرب…