كيف تنظر الصحف العربية إلى الكنيسة؟ ما هي الصورة التي تتأتى عنها؟ موضوعٌ مثير يتم طرحه في دراسة معمقة، من خلال أطروحة دكتوراه قدمتها سمر مسَيّح في جامعة الصليب المقدس الحبرية في روما في كانون الاول 2012. عنوان الأطروحة: “الكنيسة في الصحافة العربية”. تسعى الدراسة لفهم كيف تنظر الصحافة العربية للكنيسة وللمسيحيين وباي شكل يتم تقديم المسيحية.
خلال عمل الصياغة قامت الطالبة بمتابعة الصحف في الفترة الممتدة من تشرين الثاني 2007 الى نيسان 2008 مع حصيلة نهائية بلغت الـ 1371 مقالة . تم استعمال المواقع الالكترونية للصحف لصعوبة الحصول على الصحف المطبوعة في الاسواق الايطالية. بعد البحث و الانتقاء تم اختيار 18 صحيفة من اصل 22 دولة عربية تابعة لجامعة الدول العربية، تم اقصاء اربع دول: جزر القمر، جيبوتي، مورتانيا و لبنان.
وقد قسمت الاطروحة الى ثمانية فصول، مقدمة و خاتمة
الفصل الاول، “العالم العربي و المسيحية”
الفصل الثاني، “مدخل الى الصحافة في اللغة العربية”
الفصل الثالث، “عرض البحث”
الفصل الرابع، “أبعاد صحفية”
الفصل الخامس، “المجال و الموضوع”
الفصل السادس، “الحضور المسيحي”
الفصل السابع، “النزاعات”
الفصل الثامن، “وجهات نظر عن المسيحيين”
في الفصلين الاولين حاولت الباحثة تقديم رؤية شاملة، سواء عن تاريخ المسيحية في منطقة العالم العربي، سواء عن تاريخ الصحافة العربية.
شدد الفصل الاول “العالم العربي و المسيحية” على التمييز بين المصطلحين “عربي و مسلم”. إذ ان المصطلح “عربي” لا يعني “مسلم” و العكس صحيح. من الواضح ان طفولة الكنيسة و مراهقتها و شبابها قد انقضت في ارض العالم العربي.
لقد رات ان العلاقة التاريخية و اللاهوتية بين المسيحية و الاسلام معقدة. فالمسيحييون عبر التاريخ قد عبروا من اغلبية الى اقلية. ويظهر من الفصل الاول انه يمكن تلخيص اسباب انخفاض عدد المسيحيين هذا ما بين “الاضطهاد الموجه ضد المسيحيين وضعف المسيحيين”
اكدت الكاتبة على دور المسيحيون في الحضارة العربية إذ يشكلون جزءا منها كان اساسيا سواء كاونوا اغلبية ام اقلية: في اللغة العربية، الادب، الترجمة، الطب و حتى في القومية العربية الخ. الكنيسة تشكل جزءًا من تاريخ العالم العربي، هذه الحقيقة غير معروفة. دائما يتم التكلم عن العالم العربي كعالم اسلامي و هذا لا يطابق الواقع. إن وصول الفلسفة اليونانية الى اوروبا تم عن طريق الحضارة العربية، المسيحيون قد لعبوا دورا حاسما في هذه المسالة.
حتى المطابع الاولى قد ادخلت الى العالم العربي عن طريق المسيحيين عام 1610 وكانت جميع الكتب المطبوعة ذات الطابع ديني مثل كتب المزامير، بينما العرب المسلمون استخدموا المطابع فقط في عام 1819 بفضل محمد علي (مؤسس مصر الحديثة).
وقد اوضحت في الفصل الثاني “مدخل الى الصحافة في اللغة العربية” ان تاريخ نشوء الصحف العربية غير واضح ومن الصعب تحديد على وجه اليقين أول صحيفة عربية، لكن ما هو اكيد ان نشوء الصحافة العربية يعود الى بداية القرن التاسع عشر. حتى هنا لا يمكن التغاضي عن دور الصحفيين المسيحيين: الصحفي العربي الاول الذي اسس صحيفة عربية داخل بلد عربي كان مسيحي في لبنان.
الوضع الحالي للصحافة العربية يتميز بالعديد من الاوجه الاشكالية كالرقابة و الرقابة الذاتية و القمع و الدعاية السياسية و نقص الوجوه النسائية. اشارت ايضا في الفصل الثاني كيف ان الصحافة في العالم العربي قد استعملت كوسيلة للسلطة، وأحد نتائجه المهمة فقدان مصداقية الصحفي العربي. في بعض الفترات التي تمتعت فيها الصحافة العربية بالحرية فكان لها زمن ربيعي كما حدث في لبنان و مصر. ولكن في أوقات أخرى، وخصوصا في النصف الثاني من القرن العشرين، قد مرت الصحف العربية بفترات من الظلام. في أيامنا هذه، وسائل الإعلام الرقمية اعطت للناس امكانية للتعبير عن أفكارهم. حاولت الفضائيات بصعوبة أن تجعل الناس ترى بعض الحقيقة، ولكن بالرغم من ذلك الطريق ما زال طويلا ومليئًا بالعقبات. وفي هذا السياق، تختم الفصل بذكر خاص لظاهرة القناة الفضائية “الجزيرة”، الفضائية العربية الأولى التي تعتبر مصدرا للأخبار للعالم.
انما في باقي الفصول قامت الطالبة بتحليل النصوص متبعة الطرق التقليدية لتحليل النصوص الصحفية لتصل الى النتائج التالية:
“على الرغم من ان الصحفي الذي يعمل في الصحف التي تم تحليلها يستخدم لغة جيدة، لكن مستواه المهني لا يرقى الى المستوى المهني العالمي، يتضح ذلك من كونه لا يزال يعتمد على وكالات الانباء الدولية. من الواضح الافتقار إلى الموارد و المراسلين. علاوة على ذلك، حتى لو كان الصحافي يكتب بشكل جيد، لكنه يفتقر إلى الشجاعة لكشف الحقيقة وترجمتها الى كلمات. كان من المستحسن أن يذهب أبعد من الصور النمطية و يحاول توفير معلومات التي من شأنها أن تأخذ في الاعتبار أكثر من وجهة نظر.
من الطبيعي، كل صحفي له اعتقاده السياسي أو الديني ومبادئه، المشكلة هي عندما لا يستطيع تجاوز مواقفه وشرح ووصف الواقع كما هو دون ان يتاثر بالسلطة السياسية والدينية. في العديد من المقالات لا يزال تتحسس الرقابة الذاتية، احيانا من قبل مالكي الصحف.
أود أن أشير بالتحديد الى “الظلم” في النصوص المتعلقة بالمواضيع التي تناقش الجماعة المسيحية. انا ابنة كنيستي، كنيسة الشهداء. أنا أعرف الظروف الصعبة التي يعيش فيها المسيحيون إيمانهم اليوم. شخصيا، لقد عشت حياتي في المجتمع العربي حيث يسيطر الإسلام ” في أوقات تعتبر أفضل من هي عليه اليوم”. لقد جربت الافتقار إلى حقوق للأقليات، حظر الحرية الدينية، حرية العبادة تعتبر انجاز في بعض البلدان المحظوظة. الصحفي لا يمكن ألا يرى هذه الحقيقة و يكتب ببساطة أن كل شيء على ما يرام، أنه لا يوجد مشكلة. لعل و عسى، البحث عن أسباب الأحداث السلبية في الخارج فقط. غالبا ما توصف باطلا اجتماعات خالية من النزاعات.
في كثير من الحالات يتم تقديم صورة عن للكنيسة لا تتوافق مع الواقع. يعترف بالكنيسة كمؤسسة دينية ولكن يتم اعتبار حضورها كحضور سياسي: هذا يعكس العقلية النموذجية للصحفي العربي والمسلم.
يجعلنا نفكر ايضا أن عدد قليل جدا من الصحفيين يواجهون أنفسهم والمشاكل الملموسة. فمن السهل أن يثنوا على بناء كنيسة (دون رمز خارجي يشير الى هويتها، في الصحراء البعيدة وبحضور الآلاف من العمال المسيحيين) لكنهم لا يعتقدون أن التبشير هو حق يتبع الحرية الدينية وليس جريمة. فإنه من السهل الحديث عن الرسوم الكاريكاتورية والحروب الصليبية، ولكن لا يتم التذكير بحالة المسيحيين في بلدان مثل باكستان والتاريخ المأساوي للدولة العثمانية ضد المسيحيين. هناك عدد قليل من المقالات التي تركز على التصرف السلبي للمسلمين نحو المسيحيين، لم يكن هناك نص يتحدث عن حقوق الأقليات، أو انعدام الحرية الدينية. كما لو ان كل شيء مثاليا. الاكثر وضوحا في العالم العربي أنه ليس هناك معرفة عميقة متبادلة بين المسلمين و المسيحيين.”
وهكذا، فقد سعت هذه الأطروحة لفتح آفاق جديدة في الدراسات عن الكنيسة في الصحافة، وهذه المرة في مجال ملح جدا في عصرنا وهو الصحافة العربية.