الأرثوذكس في الميزان

mjoa Saturday January 26, 2013 106

هنا حملة على الأرثوذكسيين لأن فريقا منهم تقدم بمشروع سياسي يتعلّق بنظام التشريع الانتخابي. هنا لا بد من التوضيح ان الأرثوذكسيين الذين يعرفون أنفسهم كنيسة فقط يرفضون ان تكون لهم صفة أخرى اذ لا يعترفون هم أنفسهم انهم مجموعة سياسية موحّدة ينبثق منها رأي حزبي، لأنهم لو أجمعوا على موقف سياسي لألفوا طائفة في التركيبة اللبنانية وهم يرفضون هذا من حيث المبدأ. اما اذا وصفتهم الدولة في دستورها مجموعة سياسية فهذا قول فيهم وليس رأيا لهم. لذلك ليس في شؤون الدنيا موقف يلزمهم أو تدعوهم الكنيسة اليه. وكنيستهم لا تتحدث بشأن سياسي وسبق لها ان اتخذت مواقف وطنيّة بمنطق وطني.

عند الأرثوذكسيين ما يسمى المجمع المقدس أي مجموعة الأساقفة القائمين في سوريا ولبنان والعراق وقد اتخذ في السنوات الأخيرة التي عشناها مواقف تتعلّق بالمنطقة العربية ولا سيما منها فلسطين المحتلة رافضا لاسرائيل ومنها مواقف تتصل بسوريا أو بلبنان وليست فيها اية اشارة إلى الأرثوذكسيين وحدهم. لم يقف واحد منهم أو اثنان أو ثلاثة ليقولوا هذا موقف طائفتنا لأن احدا ليس موكلا هذا التعريف ولأن وحدة “الروم” في الحيّز السياسي نرفضها رفضا كاملا لكوننا نسعى إلى وحدة الشعب اللبناني والروم يعيشون معا فقط في صلاتهم وخدمتهم للناس. اما اذا اجتمع بعض منهم بسبب من تقارب فكري في ما بينهم لخدمة الوطن فمن له عليهم؟ أليس كل الناس يعملون هكذا؟ فلماذا كل هذه الحملة كأن بقية اللبنانيين يعفون عن الدفاع عن أنفسهم ومصالحهم واستمرار مناصبهم وامتيازاتهم في الدولة، كأنهم ملائكة وصلوا إلى رؤية مدنية للوطن أو علمانية. يتهم الأرثوذكسيون بالانكماش الطائفي وكأن الآخرين عفّوا عن الطائفية. “من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بأول حجرة”. لا أعرف طائفة لا تسعى إلى المحافظة على ما كسبت في هذا العيش المسمى مشتركا.

ألا ترون معي مطلبا طائفيا وراء مواقف مسكوبة كلاميا باللغة الوطنية وهي عتيقة في طائفيتها. وهنا لا أعتقد ان احدا يستطيع ان يعطي الآخرين درسا في العفة. ولست أرى طائفة تجردت عما كسبته لتذبح تاريخها الطائفي على مذبح الأمة. واذا أحسستم اليوم وهنا ان بعض الأرثوذكسيين تطيف قليلا أو كثيرا فلأن هذه اللوثة مبثوثة في البلاد.
إلى هذا فالأقلية الدينية لا تستطيع ان تحسم أي سجال وطني لأن الأكثريات وحدها فاعلة. أفهم ان تكون احدى الأكثريات راقية، وطنية، مستعدة الا تسيطر ولكن الواضح ان الأقليات تعطي مبادئ ومواقف روحية ولا تغير شيئا في راهن السياسة.

ليس متتبع لشؤون هذا الوطن قادرا ان يقتنع ان طائفة واحدة سبقت غيرها في ضرورة إقامة وطن على أسس غير طائفية. أنا لا أصدق من راشق الآخرين باعتبارهم طائفيين لأنه هو وجماعته دخلوا فردوس العلمانية.

كان الناس يكتبون ضد الطائفية ثم أضافوا من وقت قريب كلمة المذهبية بسبب ما اعتبر خلافا بين أهل السنة والجماعة من جهة والشيعة من جهة أخرى إلى ان بعثوا الكلمة ليرشقوا بها الأرثوذكسيين وكأن بقية المسيحيين منزهون عن حب هذه الدنيا وأمجادها. التعصب الفاعل في كيان الوطن يتطلّب عددا كبيرا لأصحابه. كيف يمكن الأرثوذكسيين وهم لا يتجاوزون ثلاثمئة وخمسين ألف نسمة في أمة من أربعة ملايين ان يهددوا سلامة الأمة ووحدتها؟

في هذه الأيام تعثر في كثير من الأدبيات على ذكر الأرثوذكسيين مدحا بهم أو ذما ويراهم أصدقاؤهم أو خصومهم جماعة مسيسة على منحى واحد وهذا غير صحيح. هم ليسوا خير أمة أُخرجت للناس لأن منهم من يأمر بالمعروف ومنهم من يرتكب المنكر لكنهم جماعة متمايزة لا تحلم بحكم البلد ولو وجدت فيه وترغب في الخير لكل الناس لشعورها بأنها في خدمتهم ولا تبعدها العقيدة عن خدمتهم بما أعطيت من مواهب.

قد لا تستهين بها لقلتها وقد يغريك فيها ما ورثته من تاريخ غني ومن عبادات بهية فهيمة هي معراجك إلى ربك ان شئت. ولكون هذا الجمال والحق هما من ربها تفتخر بهما ولا تفخر بنفسها لأنها مسؤولة عما نزل عليها وتهمل ما وصل اليها لتعبد نفسها وتتيه.
يحق للإنسان عنده كل جمال العبادة البيزنطية ان يحس انه مخطوف إلى فوق حيث يحق له فقط ان يلمس انه لم يصل إلى العرش ولكن يحق له ان يبصره من بعيد.

هذا لا يدقق في ما يبصره الآخرون فما من شك عندي ان البشر جميعا ورثوا الكثير من النور أخلصوا له أم لم يخلصوا ونحن اليهم بالرجاء الذي فينا. ليس احد يخلص الا من رأى هذه الرؤية واقتبس منها ما يستطيع.

الأرثوذكسيون اذا انحصروا في أجسادهم ودنياهم ليسوا بشيء اما اذا اعتبروا انهم في تراثهم ومن تراثهم قادرون ان يصيروا ملوكا يكونون صاروا هكذا من الله. من مارس عباداتهم يفهم ما قاله إرميا: “روح أفواهنا مسيح الرب”. الأرثوذكسي يصبح شيئا اذا لم يميز بين فمه وفم الله أي اذا تحقق بالتقوى انه قادر ان يطلق من فمه كلام الإنجيل بعد ان انصهر فيه.

هو عارف انه “هكذا يعبر مجد العالم”. هو يهزأ بالذين يسعون إلى تقاسم مجد العالم. هؤلاء باقون في العالم ولا يتقدسون. اما الذين ورثوا الملكوت فإنهم يسلكون الدهر الآتي استعدادا لاختطافهم إلى الزمن الذي يأتي فيه المسيح ثانية ليدين الأحياء والأموات.

اذًا لا مشكلة للأرثوذكسيين مع أحد وتاليا ليسوا هم المشكلة.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share