الزواج المدني

mjoa Monday February 11, 2013 143

تدل هذه العبارة على قيام ارتباط يقوم به المجتمع المدني أي يفترض قيام مجتمع كيان مدني هو في حقيقته الأمة، كذلك يفترض ان الأمة ذات كيان عضوي مجتمعيا ذي حراك قانوني ينتج هيكليات ينتمي اليها المواطنون ومنها العائلة. فالعائلة قائمة ليس فقط شعوريا ولكن نظاميا في ظل ما يشبه هيكلية بحيث وجب القول ان المجتمع كيان له تعبير قانوني.

وليس من تجمع ذي طابع قانوني الا اذا كان تجمعا قائما بذاته أي كاملا. الجماعة الكاملة هي الجماعة المدنية غير المتجزئة قانونيا. هذا يعني ان المجتمع قائم بذاته غير مؤلف من أجزاء كالطوائف الدينية. هذه لها كياناتها وليست مجموعتها تؤلف مجتمعا بالمعنى السوسيولوجي للكلمة. وأنت تنتمي، مواطنا، إلى هذه المجموعة مباشرة ولا تنتمي اليها باعتبار طائفتك الدينية مرصوفة إلى طوائف اخرى. أنت لا تعبُر طائفتك لتكسب عضويتك المجتمعية.

يعالج موضوع الانتماء بالمنظور المسيحي بحيث يقال ان الجماعات الدينية لا تؤلف المجتمع المدني. طبعا هنا انطلق من الرؤية المسيحية لأنك في الرؤية الاسلامية تقول شيئا آخر. في المسيحية ليست الكنيسة جزءا من المجتمع المدني. هي متصلة بالحياة الأبدية أي ليست متصلة بالجماعة الدنيوية. نقول في المصطلح الإسلامي هناك دنيا وآخرة وليس بينهما تلازم.
أنا مضطر بحكم قناعتي المسيحية الى ان أعالج المجتمع المدني من جهة والمجتمع الكنسي من جهة. هناك مستويان لا بد من التمييز بينهما لنفهم الإشكالية التي تواجهنا.

هناك مجتمع مدني لا ينظر فيه إلى الهوية الدينية. هذه طبعا قولة مسيحية. عندي ان هذه الرؤية هي الوحيدة التي تمكنك من ثنائية طيبة ومنتجة هي ثنائية المدني والأخروي وان كان الأخروي مقيما في المدني، اذ ليس من انتماء لا يتصل بالانتماء الآخر فأنت من هذه الدنيا ومن الآخرة بآن وتتحرك بهما ولو تمايزا.

«أنتم في العالم ولستم من العالم» (يوحنا 17: 11-16). هذا كلام للمعلم الناصري وهو كشف لنا منه اننا قائمون في هذه الدنيا ومتاعبها وفرحها واننا في هذه الإقامة نحن مدعوون إلى الملكوت. نحن بكل قوانا وفهمنا وجهدنا نعمل في هذا العالم وبمنطقه ومنتظرون الدهر الآتي كما تقول كتبنا المقدسة. لا ننكر الوضع الدنيوي الذي نحن فيه لكننا لا نغرق فيه لنعمل في هذا العالم وللدهر الآتي بآن. لنا في هذا العالم منطق الدهر الآتي وذوق جمالاته والحنين اليها وكفاح في العالم بلا استغراق فيه. ولهذا العالم قوانينه ومسالك لنا فيه نرجو ان نستبق فيها الدهر الآتي منذ الآن في حياة الروح.

المجتمع المدني القائم في هذا الدهر يتوق إلى الدهر الآتي ولكن له منظومات هذا الدهر. واذا تكلمنا عن هذا فنعرف ان من منطقه إقامة مؤسسات فيه منها الزواج. فالزواج وان تاق إلى الآخرة الا ان له قواعد مأخوذة من هذا العيش الذي نحن فيه. عند المسيحيين والمسلمين معا له قدسية ويشرف الله عليه وان اختلفت الأحكام باختلاف الديانتين. فعند نشوء المسيحية التي كانت تؤثر تكوين العائلة بين مؤمن ومؤمنة كان المسيحيون قلّة وكان لا مفر من اختلاط المسيحيين والوثنيات في حياة زوجية وما كان للزواج شكل إكليل الا بعد القرن السابع. وما كانت الكنيسة تطلب من الفريق الوثني ان يعمَّد لإجراء إكليله. هذا لا يعني ان المسيحيين الأوائل لم يعتبروا قدسية الزواج من فريق غير مسيحي. ومن المعروف ان الزواج في مطلع المسيحية على قدسيته عند الفريق المؤمن لم يكن فيه اشتراط ان الفريقين كانا بالضرورة على المسيحية.

ومن الواضح كثيرا من رسائل القديس إغناطيوس المتوفى السنة 117 ان الزواج كان يتم أحيانا مع فريق وثني وان ما يسمى الإكليل لم يظهر في البدايات وإن كان التراضي اساسيا في حضرة الأسقف بلا احتفال.

ولكن كان لا بد ثمة من شكليات رومانية أي ان الكنيسة لم يكن عندها حفلة زواج كنسي ولو كانت ثمة ضرورة لموافقة الأسقف. الإنسان يتزوج أمام الإدارة الرومانية أو القضاء الروماني. وكان هذا كافيا – مع مباركة الأسقف – لاعتبار هذا القران مقدسا ولكن ما نسميه الإكليل كان تقديسا الهيا للزواج بلا احتفال.

فعبارة زواج ديني وعبارة زواج مدني كانتا غائبتين على لسان المسيحيين. فإن أنت أحببت فتاة وثنية أو مسيحية وتزوجتها عند السلطة الرومانية مع زيارة للأسقف لطلب رضاه يكون هذا زواجا مسيحيا.

هل كان هذا زواجا مسيحيا أم زواجا مدنيا؟ السؤال ليس له معنى. فأنت تعقد زواجا عند السلطة المدنية وتذهب إلى الكنيسة لتناول جسد الرب وتفهم جماعة المسيحية انك تزوجت بالرب.

فالشكل الكنسي المسمى إكليلا لم يكن له وجود قبل القرن السادس أو السابع لكن الاقتران المسيحي ببركة الأسقف بلا احتفال في البدء وباحتفال لاحق كان هو التعبير عن التراضي والمحبة الزوجية وهذا هو السر. في المسيحية الأولى كان الزواج بحد نفسه يحمل القدسية ويعبر الأسقف عن كمونها في الاتحاد. والزواج يبدأ بالعهد ويستمر بالأمانة. ان تسميه مدنيا اذ كان في البدء بلا شكل أو صورة أو تسميه كنسيا لأنه قائم على أبدية الحب لا فارق. كل عهد زوجي يخص المدينة ونظامها لأنه من هذا الدهر ويخص الكنيسة التي هي جسد المسيح. المهم العهد وقبول الله للعهد.

نحن لسنا ضد الشكل المدني الحاصل في الدولة ولكن من عرف نفسه عضوا في الكنيسة نصلي معه في زواجه ونتقبله في حبه الزوجي ونجعل من زوجيته قربانا ويسمو بنا ونسمو به إلى الزواج الروحاني القائم بين المسيح وكنيسته.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share