بطريرك الرجاء الصالح

mjoa Wednesday February 13, 2013 102

الدعوة إلى التمسك بالرجاء هو الرسالة التي يمكن أن نوجز بها كلمة البطريرك يوحنا العاشر في حفل تنصيبه بطريركًا على أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس. فما قاله الرب يسوع لتلاميذه: “لا تخَفْ أيها القطيع الصغير”، نجده يطلّ ليعزّينا في ثنايا كلمة البطريرك وما بين سطورها. كلمته دعوةٌ إلى الرجاء بالخلاص ونحن في أقصى دركات الجحيم العبثية.

ثمّ هي دعوة إلى الالتزام بالإنسان، المخلوق على صورة الله ومثاله، وخليفة الله في الأرض. وما صورة الله في الإنسان إلا حريته التي تميّزه عن باقي المخلوقات، وإذا فقد الإنسان حريته فقد إنسانيته، وصار على شبه الحيوان عوض أن يكون على صورة الله. وهذا الالتزام لا يبقى في المستوى النظريّ، بل يتبلّر لدى البطريرك اقتراحات عملية عبر وضع الأوقاف الكنسية في خدمة الناس من أجل الالتزام الفعلي بالفقير، ومحاربة الهجرة، وتشجيع الشباب على البقاء في بلادنا وعدم تيتيمها برحيلهم عنها…

وهي دعوة إلى الالتزام بالوطن والأرض حيث شاء الله أن نكون لنشهد له في كل الظروف، حلوها ومرّها. فيقول برجاء عظيم: “إننا، نحن الأنطاكيين، كنيسة مشرقية جذورها ضاربة بعمق في منطقتنا ومشرقنا العربي. ونحن، مع إخوتنا المسلمين، أبناء هذه الأرض. فيها أرادنا الرب لنشهد لاسمه القدّوس، وفيها علينا أن نبقى، مشجّعين العيش المشترك الكريم، ونابذين كل ضغينة وخوف وتعالٍ”.

عاش المسيحيون في بلادنا في ظلّ العديد من الإمبراطوريات: الرومانية، والبيزنطية، والفارسية، وفي ظل دولة الخلافة الإسلاميّة من الخلفاء الراشدين إلى الأمويين والعباسيين والمماليك والعثمانيين… وعانوا من ويلات حملات الفرنجة (تسميتهم بالصليبيين شتيمة للمسيح وللمسيحيين)، وعاشوا في ظل الانتدابات الأجنبية… وبقوا صامدين في قراهم ومدنهم وكنائسهم وأوطانهم، على رغم من الاضطهادات التي تعرّضوا لها على مرّ التاريخ. هذه الدول جميعها بادت، وستبيد دول وأنظمة وهم سيبقون. بقاء المسيحيين قراره ملكهم وحدهم لا سواهم، كما أنه ليس مرتبطاً ببقاء نظام أو بزواله. الأمر سيّان.

تبيد الدول، لكن المسلمين والمسيحيين يبقون شركاء كاملين في هذه البلاد. لذلك، يذكّر البطريرك المسلمين بالتاريخ المشترك الذي يجمعهم كافة، فيقول: “أيها الأعزاء المسلمون، نحن وإيّاكم لسنا فقط شركاء في الأرض وفي المصير. نحن بنينا معاً حضارة هذه البلاد، ومشتركون في الثقافة والتاريخ. لذلك يجب علينا ان نحفظ هذه التركة الغالية”. ويضيف قائلاً بإخلاص كليّ للتراث الأنطاكي المنفتح على الإسلام والمسلمين: “كما أننا شركاء أيضاً في عبادة الله الواحد الأحد، الإله الحقيقي، نور السموات والأرض”.

هذا التذكير الصادق، ومن دون مساومة، بالتوحيد الإلهي الذي يجمع المسيحيين والمسلمين هو رسالةٌ واضحة إلى أصحاب التطرّف والتشدّد الذين يكفّرون حتى أبناء ملتهم ومذهبهم كي يستبيحوا القتل والتدمير. كما أنه دعوة إلى المسلمين للتلاقي على “كلمة سواء” قرّرها القرآن على قاعدة التوحيد والتنوّع في عبادة الله.

“المحبة شعارنا وسلاحنا”، يقول البطريرك يوحنا العاشر. نعم، ونضيف أن الرسول بولس يقول إن أركان المسيحية ثلاثة: “الإيمان والرجاء والمحبة، وأعظم هذه الثلاثة هي المحبة” (كورنثوس الأولى 13، 13). لقد أحييتَ فينا الرجاء، يا صاحب الغبطة، فلن نخاف.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share