الى ايلي الحاج عبيد…بقلم الاخ خريستو المر

mjoa Thursday February 14, 2013 64

عزيزي إيلي،
لي زمن لم اكتب إليك؛ والرسائل الأخيرة كانت فايسبوكيّة، بعد فرحي للقاءك بعد سنوات في لقاء لطلاب مركز طرابلس. تعلم كم فَرِحنا معا للّقاء من جديد بعدما صرنا إخوة، رغم أنّك بقيت أستاذي.

أكتب إليك اليوم ليس لأقول لك أنّني أحببت العربية لأنّك كنت أستاذي، فأنت لا شك سمعت أصداء عن انشداد الطلاب لمادتك بسبب رقّتك وحنانك أثناء تعليمك.

عزيزي، رجاء أن تبقى قرب الله مهما كنت تشعر بأنّك خاطئ فهو يقبل الآتي في الساعة الأخيرة، كذاك الذي يأتي في الساعة الأولى. وإن كنت أنا أرتعش من كثرة خطاياي إذا ما مثلت أمام إلهنا وحبيبنا، أتخيّل أنّ كلّ واقف أمامه مرتجف مثلي. عزيزي، عزيزي، رجاء لا تلتفت إلاّ إلى وجهه، يكفينا ما التفتناه إلى خطايانا هنا، أدعوك، كما أدعو نفسي وكما آمل أن يدعوني أحد عندما أغادر إليك، أدعوك ألا تلتفت إلاّ إلى وجهه؛ علّ سحره يشدّك للمرّة الأخيرة خارج ذاتك؛ كذلك كنت تذكّرنا وأنت هنا، وها أنا أذكّرك وأنت هناك.

أكتب إليك بهدوء بعدما بكيتك كثيرا، فقط لأنّ واحد إله أحبّنا بجنون، هو وحده يبقيني على قيد العقل. لولاه لما كان لشيء من معنى. أكتب إليك كي تنظر إلى شبهك له، فلطفك كان من لطفه، ومحبّتك من محبّته، وتواضعك من تواضعه، وانفتاحك من انفتاحه، وخدمتك من خدمته. أكتب إليك علّني إذا ما ذكّرتك بكلّ ما أنت عليه من جمال، تخفّ حدّة ارتجافك أمام وجهه، وتشتعل فيك شجاعة الحبّ الذي أنت أحببتنا إياه، نحن تلاميذك الكثيرون، فتنظر إليه شاكرا ليأخذك بالحبّ الذي فيك، إلى الحبّ الذي هو، هو الحبّ الأكبر. أكتب إليك عزيزي، وكلّي أمل أنّ ملاكاً سيقرأ لك ما أكتب، كلّي رجاء أنّك ستقرأ ما أكتب بطريقة ما، لإيماني بأنّنا على تواصل في قلب الله الحاضر هنا، “وفي كلّ مكان وصقع والمالئ الكلّ”، الكلّ هنا والكلّ “هناك”.

أكتب إليك إيلي لأنّ هناك محبّ مجنون أنت قربه اليوم أكثر، ولا يهمّ عزيزي سوى أنّك كنت متّجها إليه ما استطعت. فهذا الإله لم يسألنا ألاّ نخطئ سألنا أن نحبّ وأنت أحببت كثيرا.

إيلي “المائدة مملوءة فتمتع كلّك” مع الأخوات والإخوة هناك، تمتّع كلّك ولا تترك زاوية من قلبك، حتّى تلك التي، مثلنا جميعا، لم تستطع فتحها له كفاية، لا تتركها بدونه. فهو الذي ينقذك ممّا بقي فيها من عتمات، هو لم يسألنا أن نكون نورا بنور، سألنا أن نكون به نور، لأنّنا “به نعاين النور”. فكن معه وصر مثله “نورا على نور”، إيلي. أنت قلت “تكفيني… عَباءَةٌ من خُيُوطِ النُّور، حتَّى يَكُونَ لِيَ الحُبُّ مَسكِنًا”، اتّخذ نور الله لك عباءة وليكن هو-الحبّ مسكنك.

إيلي، هناك من مات مثلك، هو يعرف تماما ما أنت تعانيه من خوف، فقد خاف مثلك، ولو لم يوجد فيه خوف من خطيئة، إنّه يسوع إيلي؛ يسوع الذي طالما رتّلت له، هو معك عزيزي، وهو خَبِر مثلك طعم الموت. هو مات، إيلي، مات، هل تدرك، وندرك، ما معنى رهبة وعظمة و”جنون” أن يريد الله أن يموت مثلنا؟ هذا الذي مات إسمه يسوع وهو مع أمّه اكثر من يمكنهم أن يفهموا معاناتك اليوم، فاقبل أن يحتضنوك رغم خطاياك، وارفض أن تركّز على هذه الأخيرة وركّز فقط على وجه الربّ، وحنان أمّه وأمّنا. فإن كانت أمّك بهِيَّةٌ “في اللُّطفِ، في الدَّعَةِ، في انعِطافةِ السَّماءِ عليكِ، في عَينَينِ ضارِعَتَينِ بَريقُهما يُطْفِي بريقَ الذَّهَبِ”، كما كتبت، فكذلك عزيزي عينيّ أمّنا والدة الإله.

كن مع الذي قام، حتّى إذا ما الموت الذي “تناولك أرضا يلقاك سماء”. الله يحبّك إيلي، ونحن نحبّك هنا كثيرا، وهو يحبّك أفضل منّا وأعمق وأصدق، فرجاء التفت إلى وجهه. إيلي، إن لم تلتفت من أجل ذاتك، فلتفت من أجلنا، دع حبّك له يخاطب حبّه لك، واطلب منه أن يأخذ بروحه القدس بيدنا كي نحبّه أكثر. ادعُ لنا إيلي. نعم أنا أنصب لك “فخّاً” لأنّي أعرف محبّتك، علّني إذا طلبت لك أن تلتفت إليه من أجلنا، دفعتك محبّتك أن ترتمي في أحضانه بشكل نهائيّ من أجلنا نحن، يا حبيب الله.

الله معك، الله معك. نراك قريبا. فعمرنا الشخصيّ قصير في زمن الأبد.
لأنّك أدركت أنّك ” مُهاجِرٌ وراحِل” لم “تنزَلَ حقائِبَك ولم تسْتَرح إِلى غَفْوَتِك”، فتجنّبت ما حذّرت منه، وعملت لآخر رمق في الأرض-حقل الرب.

سنتابع كلّ يوم معا، كلّ من “موقعه” في كنيسة الله “التي افتداها بدمه”، نشيد الحبّ الذي بدأناه هنا، والذي مهما كان هزيلا كان الله بالذات حاضرا فيه بقوّة، قوّة قيامته وقوّة حبّه الذي لا يدرك. إلى اللقاء، فـ”إلهنا الذي يرى تماسك الإخوان، إلهنا الذي يرى سيجمع الفتيان”، سيجمعنا في حارات الملكوت، لنلعب معا، مع أبينا، في أضواء “النهار الذي لا يغرب”، لعبة اللقاء والفرح، وسوف يمدّ لنا قلبه مائدة عشاء ساطع وخمرة لا تنتهي.

نراك.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share