بسبب التداول الكثيف لمصطلح “القانون الأرثوذكسي” في الأوساط السياسية والأعلاميّة وسواها، للأشارة الى أحد مشاريع قانون الأنتخاب في لبنان، تطرّقت الأمانة العامة لحركة الشبيبة الارثوذكسية في اجتماعها الأخير المنعقد بتاريخ 23/2/2013، الى هذا الموضوع، واتخذ القرار بتبني النص المقترح من الأخ الدكتور كوستي بندلي ، والذي يتضمن الآتي:
يُثار، في هذه الايام، لغطاً حول ما اعتاد الناس على تسميته بِ “القانون الأرثوذكسي”، وهو الأمر الذي يوحي أنّ العبارتين متلازمتان، وأن القانون المذكور إنما يُعبِّر عن جوهر الأرثوذكسيّة، في حين أنّه، بالفعل، مغاير تماماً لطبيعتها، ولو كان الذين أطلقوه أصلاً ينتمون إلى الطائفة الأرثوذكسيّة.
لذا ودون التطرُّق إلى أبعاد القانون المذكور، من الزاوية الوطنيّة (حيث لنا عليه مأخذ كبير)، نودّ هنا أن نكتفي بدحض ادِّعائه تمثيل الأرثوذكسيّة، محتكمين إلى طبيعة تلك الأرثوذكسيّة التي تُنسب إليها تسميته.
ذلك لأنَّ الأرثوذكسيّة، في وجهها الصحيح، إنما لها منبع ودستور واحد، ألا وهو الإنجيل في آخر المطاف. والإنجيل بالغ الصراحة في الموضوع المشار إليه. ففي إنجيل لوقا (10: 29-37)، نقرأ أنَّ أحد علماء الدين اليهود سأل يسوع يوماً: “من هو قريبي؟”. كان المسلَّم بهِ في التراث اليهودي أن “قريب” اليهودي، الذي تُفرَض عليه محبّته، إنما هو حصراً من كان يهوديّا مثله. ولكن يسوع كان له، في الأمر، موقف مختلف بالكليّة. وقد شاء أن يعطي المعلّم اليهودي فرصةً لاكتشاف هذا الموقف بنفسه والاقتناع به. لذا روى له قصّة (ندعوها “مثلاً”). حكى أنّ رجلاً يهوديّا كان مسافراً على طريقٍ وعِرة، خَطِرة، بين أورشليم وأريحا، فإذا بهِ يقع في قبضة لصوصٍ، عَرَّوه وجَرَّحوه وتركوه بين حيٍّ وميت. وفيما هو ملقىً بهذه الحال على الطريق، مرَّ بهِ، على التوالي، كاهن يهوديّ، فلم يكترث بهِ، ثمّ لاويّ (أي مساعد للكاهن)، يهوديّ أيضاً، فتصرّف حياله على نفس المنوال. ثمّ مرَّ بهِ سامريّ (وكان السامريّون جماعة في فلسطين ينبذهم اليهود معتبرين إياهم خارجين على الدين ومختلطي الهويّة). إنما على عكس سابقَيه، تحنَّنَ ذلك السامريّ على الرجل الصريع، فدنا منه وضمّد جراحه بعد أن سكب عليها زيتاً وخمراً (وهو العلاج الشائع في ذلك العهد)، ثمّ حمَّله على دابّته وأخذه إلى فندق واعتنى بأمره. وقبل متابعة السفَر ترك مالاً لصاحب الفندق ليواصل العناية بالجريح ريثما يعود هو فيوفيه ما زاد من نفقة. وبعد أن انتهى يسوع من رواية القصَّة، سأل العاِلم اليهوديّ: “فمن تظنّ أنّه صارَ قريباً للذي وقع بين اللصوص؟”، فلم يكن للعاِلم بدٌّ من الإجابة: “الذي صنع معه الرحمة”. حينئذ قال يسوع: “اذهب أنت واصنع هكذا”.
بعبارة أخرى: يصير قريبي من أفتح له قلبي، أيًا كان دينه ومذهبه وانتماؤه. ولا يمكن للأرثوذكسيّة الحقّة أن تقول وتفعل غير ذلك. إذ هل من أرثوذكسيّة جديرة بهذا الاسم دون أمانة لرسالة الإنجيل المحرِّرَة؟ لذا اقتضى التنويه بذلك في البلبلة الحاضرة.