عنصريّاتنا

mjoa Wednesday February 27, 2013 112

الطائفية ومشاريعها تعيدنا إلى اليهودية التي أخرجنا منها السيد المسيح بخروجه منها وعليها حين دانها ودان عنصريتها، وألغى مقولة “شعب الله المختار”، وفتح باب الدعوة واسعاً أمام الأمم كلها. قتلته المؤسسة اليهودية لأنه شكّل خطراً على حصريّتها، ولأنه أظهر بطلان اعتقادها بامتلاك الله إلهاً خاصاً بها دون غيرها من الأمم.

يمدح المسيح، الذي وُلد ونشأ في بيئة يهوديّة منغلقة، إيمان غير اليهود، ويدين الفرّيسيين سلفيي ذلك الزمان. يمدح إيمان المرأة الصورية الكنعانية، وإيمان المرأة السامرية، والأبرص السامريّ الذي عاد كي يشكره لشفائه مع تسعة آخرين من اليهود بني قومه من مرضهم، فاستغرب المسيح قائلاً: “ألم يوجد مَن يرجع ليمجد الله إلاّ هذا الأجنبي؟”. كما ماهى نفسه مع السامريّ الرحيم في المثل الشهير حيث يبين المسيح أن القرابة ليست بالتناسل بل بصنع الرحمة إلى المحتاجين.

الطائفيّة صورة مطابقة للعنصرية اليهودية من حيث هي تماهٍ ما بين الانتماء القومي والانتماء الديني. فاليهودية قومية دينية، والطائفية تماثلها إذ تخلط ما بين الانتماء الوطني، أو القومي، والانتماء الطائفي. الطائفية قومية دينية أيضاً، تتوق إلى جعل نفسها أمة قائمة بذاتها لها مقوماتها التي تجعلها متميّزة وطنياً وقومياً عن باقي الطوائف.

الطائفية ضدّ فكر المسيح. هو أتى ليؤسّس كنيسة تكون مركزاً لتقديس العالم، ولم يأتِ ليؤسّس طوائف شتى. الطائفية تنفي الكنيسة وتجعلها كتلة لحميّة شحميّة، لا جماعة تحيا بالروح القدس. هو لم يأتِ ليطالب بحقوق الطوائف أو بـ”حقوق المسيحيين”، بل بحقوق الفقراء والمساكين والأرامل واليتامى والمستضعَفين والمعذبين في الأرض…

الطائفية تخدم الفكر اليهوديّ من حيث هي ردّة عن المسيحيّة، فكراً وتراثاً حيّاً. فكيف يمكن المسيحيين أن يكونوا “ملح الأرض”، كما يدعوهم المسيح، إذا رفضوا الاختلاط بمواطنيهم؟ وكيف يمكن أن يكونوا “نور العالم” إذا أخفوا نورهم عن شركائهم في الوطن؟ كيف يمكن أن يكونوا “الخميرة التي تخمّر العجين كلّه” إذا اكتفوا بذواتهم؟ سيفسد ملحهم، ويضمحلّ نورهم، وتتسوّس خميرتهم، بلا شك. لن يكون لهم بعد لا طعم ولا نكهة.

الطائفيون لم يرفعوا يوماً سلاحاً ضد إسرائيل، الكيان اليهوديّ الذي يجسّد ذروة العنصرية. الطائفيون قاتلوا بعضهم بعضاً، وقتلوا أبناء وطنهم وشرّدوهم وهجّروهم، وهم مستعدّون بلذّة فائقة أن يعيدوا الكرّة مرة وأخرى. العدو الوحيد للطائفي هو المواطن الذي ينتمي إلى طائفة أخرى، وليس إسرائيل العدو المغتصب والمتمادي في اغتصابه. نسينا إسرائيل وغطرستها في سبيل مجد الطوائف الذي لا حياة له إلاّ بالمزيد من الاستباحة للإنسان وكرامته.

قبل ألفي عام دعا الرسل الجماعة المسيحية الأولى إلى انتخاب “سبعة رجال منكم لهم سمعة طيبة، ممتلئين من الروح والحكمة، فنقيمهم على هذا العمل” (أعمال الرسل 6، 3). فاختاروا سبعة، بينهم واحد اسمه “نيقولاوس وهو دخيل أنطاكي”. نعتقد أن أصحاب السمعة الطيّبة الممتلئين من الروح والحكمة موجودون في كل الديانات والمذاهب والطوائف، فلماذا الإصرار على أسرنا في طوائف منغلقة على ذواتها؟ لماذا الإصرار على تهويدنا؟

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share