كلمة الأب يوسف عبد الله في الذكرى السنوية الثانية لرقاد أبينا الأب الياس في 23 شباط 2013

mjoa Friday March 1, 2013 116

يا أحبة، نقيم اليوم ذكرى السنة الثانية لرقاد أبينا المتوحد الأرشمندريت الياس في هذا اليوم الثالث والعشرين من شباط الذي نقيم فيه تذكار القديس الشهيد في الكهنة بوليكربوس أسقف مدينة إزمير. وبوليكربوس باللغة العربية “الجزيل الثمر”. من أجل ذلك رتبت الكنيسة في صلوات الغروب وهذا الصباح مقاطع كهذه:

    “إن الرب يسوع، ثمرَ البتول، الذي هو عنصر الحياة، لما هبط على الأرض، أنبتكَ حينئذٍ مثل سنبلة مخصبة مغذية المؤمنين…
    “أيها الأب بوليكربوس، إن الذي هو الكرمة الحقيقية، لما ارتفع على عود الصليب معلَّقاً، حينئذٍ جعلكَ عنقوداً كثير الثمر…
    “لما قدَّمتَ للرب أثماراً حية ناطقة…

    “لقد قدَّمتَ للمسيح أثماراً كثيرة، أعني البشر المخلَّصين بكَ من ضلالة الأبالسة يا رئيس الكهنة المجيد بوليكربوس، يا معادل الملائكة ومُساكن الرسل. فمعهم أذكر المكرِّمين إياك بشوق”.

كما رتَّبت الكنيسة أن يُتلى هذا المقطع من إنجيل يوحنا الذي ابتدأ بـ “إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمُت، فإنها تبقى وحدها. وإن ماتت أتت بثمر كثير…” وقد انتهى هذا المقطع بجملة: “آمنوا بالنور لتكونوا أبناء النور” هذه الجملة التي كانت عنوان أحد الكتب التي أصدرها أبونا الياس.

فيا أبانا الياس، لقد كان بإمكانكَ، أنت كحبةِ حنطة، كان بإمكانك أن تبقى لوحدك في مركزك الهامّ في هذا العالم، ولكنك انقدتَ لنداء الروح القدس فانتشلك من وظيفتك وأتى بك وزرعك في هذا الدير فأعطيتَ ثماراً لأكثر من ثلاثة وخمسين سنة.

لقد زرع فيك ربُّك بذار كلمته المحيية فسقط بذارُه على أرض نفسك الجائعة إلى كلمة الله فحفظتَ كلمته في قلب جيد صالح وأثمرتَ بالصبر1.

لقد ثبتَّ في الرب يسوع الكرمةِ الحقيقية، ولكي تأتي بثمر، فقد نقّاك الربُّ وشحَّلك بصبرك على ضعفاتك، وبطول أناتك على خطايانا وقلةِ أمانتِنا، نقّاك لتأتي بثمر أكثر وقد دام ثمرُك، فكان الروح القدس فيك محبةً وفرحاً وسلاماً، طولَ أناةٍ ولطفاً وصلاحاً، إيماناً ووداعةً وعفافاً 2.

كنتَ ممتلئاً من ثمر البِرِّ الذي بيسوع المسيح لمجد الله وحده3 . ولأنكَ كنت حافظاً في ذهنك، وأمام ناظرَيك، كلام القديس بطرس بأن “مشيئة الله أن تُفحِموا بأعمالكم الصالحة جهالةَ القوم الأغبياء4” ، فقد كنتَ قدوة لنا في ذلك منبِّهاً إيانا بالعمل ثم بالقول: أن نتّضع تحت يدِ الله القديرة لكي يرفعنا في حينه، وبأن نلقي عليه همّنا كله فإنه يعتني بنا، أن نَصحَى ونسهر لأن إبليسَ خصمَنا كأسد زائر يجول حولنا ملتمساً من يبتلعه. فقاوِموه يا إخوتي، راسخين في الإيمان عالِمين أن إخوتكم الذين في العالم يُقاسون هذه الآلام بعينها. وإله كلّ نعمة، الذي دعاكم في المسيح إلى مجده الخالد، بعد أن تتألموا وقتاً يسيراً، هو نفسُه يُكمِّلكم ويُثبِّتكم ويقوّيكم ويجعلكم غيرَ متزعزعين.

كنتَ المشجِّع لنا دائماً بأن نمارس الأعمال الحسنة للحاجات الضرورية حتى لا نكون بلا ثمر5 .
كنا نسير وراءك طالبين أولاً ملكوت الله وبرَّه بالعمل في كرم الرب لئلا يُنزع منا ويُعطى لأمَّة تعمل أثماره6 .
كنتَ تحثّنا أن نسلك كأولاد للنور بألاّ نشترك في أعمال الظلمة غير المثمرة بل بالحري أن نوبِّخ عليها7 .

حافظتَ بكل قوّتك على الحِكمة التي من فوق لأنها أوّلاً نقيةٌ، مسالِمة، حكيمة، حسنة الانقياد لله، مليئة رحمةً وثماراً صالحة، لا تحابي ولا تُرائي .

وجمعتَ، بحبك الكبير، الأغنامَ الناطقة من كل مكان ورددْتَها إلى مرابضها فأثمرتْ وتكاثرتْ.

لقد جعلك الربُّ مثل ابراهيمَ خليلِ الله، جعلكَ أباً لجمهور كثير من البشر وأَثمركَ كثيراً جداً. وكنتَ كشجرة مغروسةٍ على مجاري المياه، تعطي ثمرها في حينه وورقُها لا ينتثر، بل كل ما تصنع ينجح9 .

أمام الرب كان عزاؤك أن تأكل من أثمار أتعابك، فطوبى لك ويا بُشراك. أبناؤك مثل الكرمة المثمرة على جوانب بيتك ومثل غراس الزيتون حول مائدة الرب10.

اليوم في ذكراك الثانية نجتمع في هذا الدير، الذي كلُّ حجرٍ فيه شاهِدٌ على أمانتك اليومية وحضورِك المنتظِم دائماً لتكون قدوةً لنا جميعاً، شاهِدٌ على تعبك وتفانيك وسهرك وتنهداتك وتوسلاتك إلى الله لتجمع بنيك، الأقاربَ منهم والأباعد، كما تجمع الدجاجةُ فراخها تحت جناحيها11 ، فلا تكفَّ، يا أبانا الحبيب، عن التشفّع أمام الرب مع آبائنا الذين سبقوك: أبينا أغابيوس وأبينا أنطونيوس وأبينا الروحي الأب أندريه، لا تكفّوا جميعاً عن الابتهال إلى الرب الماثلين أمامه، أن يُديم بركته علينا، نحن القطيع الصغير، نحن الذين نعاهد الرب أمام هذه الجماعة المبارَكة من أحبّاء هذا الدير وأبنائه، أن نموت كلَّ يوم عن أنانيَّتنا وكسلنا وكبريائنا وقلة صبرنا لنتسَمَّرَ في الرب يسوع وفي هذا المكان ليستمرَّ ثمرُ الروح القدس فينا رغم كل هزالتنا بشفاعات آبائنا الأرشمندريت أندريه والأب أغابيوس والأب أنطونيوس وجميع آبائنا، لمجد الله الآب، آمين.

 

  1 لو 8: 16.
  2 غلا 5: 22.
  3 أف 1: 11.
  4 1 بطرس 2: 15.
  5 1 بط 5: 6-10.
  6 تي 3: 14.
  7 متى 21: 43.
  8 أف 5: 8-11.
  9 مزمور 1: 3.
 10 مز 127: 2-3.
 11 لو 13: 34.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share