تجليات دمشقية : “بين الرحمة والتوبة”

mjoa Monday March 11, 2013 169

الله بعدما كلّم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة كلّمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه..” (عبرانيين 1 : 1 – 2)
وكلام الابن نعرفه بالروح القدس، الذي يعطينا فهم تقليد الكنيسة المكتوب (الكتاب المقدس)، والشفهي ( شهادة حياة الكنيسة)
… نورد فيما يلي أسبوعياً قبساتٍ من تجليات الرب في رعاياه الدمشقية (في أبرشية دمشق)، تعكسها لنا شهاداتٌ وعظاتٌ لآبائنا خدام الكلمة، الكارزين بالقائم من الموت لأجل خلاص العالم.

عظة هذا الأسبوع لقدس الأب استفانوس أبو عسلي

بين التوبة والرحمة

“أريد رحمة لا ذبيحة”، هذا ما قاله الرب يسوع لتلاميذه كما قاله الله لنبيه هوشع في العهد القديم، لكن ما هو الذي يربط الرحمة بالتوبة في هذا الموسم المبارك، موسم الجهاد والعودة إلى الله والذات، خصوصاً أن الكنيسة ترتب لهذا الموسم تهيئة حتى يكتمل الصوم بالصلاة، بهدف الصوم الحقيقي الذي هو القلب الرحيم الذي يُطلب من الإنسان أن يكونه.

إذا تأملنا بمثل الابن الشاطر الذي قاله الرب يسوع، نجد النص يتحدث من خلال شخصياته عن علاقة متغيرة تعبّر عن حياة الإنسان الذي يبحث عن حياة يعيشها على حسب قلبه فنجد أن كنز الابن الأصغر هو المال كما قال الرب “حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك”. فطلب الابن المال من أبيه الذي لبى الطلب وأعطاه نصيبه من الميراث، الأمر الذي يدلنا على أن الله أعطى لكل منا النعم والمواهب والعطايا الكثيرة. ثم أن الابن رأى بهذه العطايا الفرصة والقدرة ليعيش كما يريد هو، بالتالي لم تكن وصية الأب حية في حياته ولم تكن المحبة هي التي تغلف قلبه الذي بدأ يتحول رويداً رويداً وبسبب الخطيئة إلى قلب حجري، لم يعد يرى إلّا نفسه والملذات التي تبهج قلبه أو يمكن القول التي تزيد من قساوته حتى امتلأ القلب من الهوى وفقد الابن كل القدرة على السيطرة على نفسه وأهوائه وزاد البعد عن عائلته وأبيه أي الله. فغرق بعمق الرذيلة والخطيئة التي تمرغ بمرارتها.

وفي عمق المرارة ذاق حلاوة الذكرى وحنَّ لأبيه الذي ترك، وهنا نتأمل الله الحي في ذكرى قلوبنا تاركاً بصمة حب لا تمحى تحمل دائماً زمام المبادرة لخلاص الإنسان. تبدأ رحلة العودة من الفكر والذاكرة إلى القرار والعمل وكل ذلك بنعمة الرب حيث فكر الإبن من جديد بكنزه الحقيقي ووجد راحة قلبه في وصية أبيه وحضنه  متذكرين قول صاحب المزامير “تذكرت الأيام القديمة وهذذت بكل أعمالك  وتأملت في صنائع يديك”. وسار بأول طريق التوبة والعودة أو تغير الذهن والقلب، أي ندم فاعتراف فعودة فعناق، وبمعنى آخر، إعادة العلاقة مع الله الأب. أعاد الرب ذلك القلب الحجري إلى قلب اللحم، أي قلب الرحمة المحب والتائب عمّا نتج من جرّاء  البعد وعرف كنزه وهو الله، بالتالي القلب صار مع الله كما يقول السيد “يا بني أعطني قلبك”.

الصوم هو موسم الرحمة والتوبة، موسم الآخر والخروج من الذات والتعلق بالله. موسم تحول الإنسان إلى القلب الذي أراده الرب، المفعم بالقداسة والبركة “القلب المتخشع والمتواضع الذي لا يرذله الله”. فأطلب من الرب الإله أن ينعم على الجميع بصوم مُغيّر ومحوّل لإنسان على حسب قلب الله. آمين. 

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share