في العاشرة والنصف من صباح يوم الأربعاء الواقع فيه الثالث عشر من آذار 2013، اجتمع آباء المجمع الأنطاكي المقدَّس في دير سيدة البلمند البطريركي برئاسة صاحب الغبطة البطريرك يوحنّا العاشر، لتدارس الوضع الناجم عن انتخاب قدس الأرشمندريت مكاريوس من قبل المجمع المقدّس لبطريركيّة الأرثوذكس المقدسيّة الأورشليميّة بصفة “رئيس أساقفة قطر” يوم الإثنين في 4 آذار 2013، لأن هذا الانتخاب يخالف القوانين الكنسيّة الأرثوذكسيّة الجامعة. وبعد التداول وموافقة أعضاء المجمع المقدَّس في الوطن وبلاد الانتشار، صدر عن الاجتماع البيان التالي والذي عُمِّم على كافة المؤمنين وعلى سائر الكنائس الأرثوذكسيّة المستقلّة.
الــبــيــان
بدعوة من صاحب الغبطة البطريرك يوحنا العاشر، وفي ظل الظروف العصيبة والآلام التي تعصف بمنطقتنا والتي يعاني أبناؤنا منها، اجتمع مطارنة الكرسي الأنطاكي المقدّس في الوطن بعد أن تداولوا مع إخوتهم مطارنة الانتشار الجرح الذي سببه انتخاب ورسامة الأرشمندريت مكاريوس بصفة “رئيس أساقفة قطر”من قبل البطريركية الأورشليمية، وقد استهلَّ صاحب الغبطة الاجتماع باستعراض الخطوات التي قام بها فور سماعه خبر الانتخاب عبر وسائل الاعلام.
إذ، بعد الاتصال بكافة المطارنة أعضاء المجمع الأنطاكي المقدّس، قام في مرحلة أولى بتبليغ رسالة شفهية لغبطة بطريرك أورشليم وقداسة البطريرك المسكوني، أتبعها برسالة خطية لهما عبّر فيها عن تَفاجُئه “بقرار المجمع الأورشليمي المقدّس برفع الأب المرسل إلى مدينة الدوحة إلى درجة الأسقفيّة وإعطائه لقب “رئيس أساقفة قطر”، وذلك بمعزل عن البطريركيّة الأنطاكيّة التي تقع دولة قطر ضمن حدود مداها الجغرافيّ القانونيّ. حيث أنه لا يسوغ أن يُسَقَّف عليها مطرانٌ تابعٌ لكنيسة أرثوذكسيّة أخرى، خاصّة وأن للبطريركيّة الأنطاكيّة مطرانًا شرعيًا على كلّ منطقة الخليج العربيّ، سيادة المتروبوليت قسطنطين”. وقد رجا صاحب الغبطة في رسالته المعنيين بأن يُعيدوا النظر بقرارهم “وألا تتمّ هذه الرسامة، لأن كرسينا الأنطاكيّ الرسوليّ لا يمكنه قبول أيّ أسقف على أرضه، من خارج نطاق سلطته الكنسيّة القانونيّة…” وقد عبّر أنّ “قلوبنا مفتوحة للقائكم ومعالجة هذا الأمر، وأيّ أمر آخر، كإخوةٍ بروح المسيح الذي وحده يجمعنا.”
وإذ لم يتلقّ صاحب الغبطة أي ردّ على رسالتيه، قام في مرحلة لاحقة بتعميم هذه الرسالة على رؤساء الكنائس الأرثوذكسيّة المستقلّة. وقد أبلغ صاحب الغبطة المجتمعين أنه وبالرغم من كل الجهود والمساعي الأخوية تمَّت الرسامة يوم الأحد في العاشر من آذار الجاري.
أثنى الآباء على جهود صاحب الغبطة، وعبّروا بإجماع الحاضرين وموافقة جميع مطارنة الانتشار عن الموقف التالي:
1 – قرار البطريركيّة الأورشليميّة بإنشاء رئاسة أساقفة على أرض تُعْتَبَر كنسيًا تابعة للكرسيّ الأنطاكيّ المقدّس، يعتبر، بشكل لا يقبل الجدل، تدخلاً عن غير حقّ من قبل الكنيسة الأورشليميّة على أرض الكنيسة الأنطاكيّة، وبالتالي يشكّل تجاوزًا للقوانين الكنسيّة التي ترعى علاقات الكنائس الأرثوذكسيّة إحداها بالأخرى.
من ناحية أخرى، الرعيّة الأرثوذكسيّة في الدوحة، في دولة قطر، مُكَوَّنة من أرثوذكس من جنسيّات مختلفة. وقد سهر قدس الأرشمندريت مكاريوس، مشكورًا، على تأمين حاجاتها الرعائيّة، دون أن يخرج ذلك عن إطار التدبير الكنسيّ المؤقّت الذي يهدف إلى تسهيل العمل الرعائيّ الكنسيّ، لا أكثر ولا أقل. وبالتالي لا يحتمل هذا التدبير الرعائيّ أيّ تأويل لجهة منح أيّ حق كنسيّ، من أيّ نوع كان، للبطريركيّة الأورشليميّة أو لأيّة كنيسة أرثوذكسيّة أخرى، على هذه المنطقة من الخليج العربيّ التي تقع ضمن نطاق السيادة الكنسيّة القانونيّة لبطريركيّة أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس.
لذلك، ترفض الكنيسة الأنطاكيّة خطوة البطريركيّة الأورشليميّة، ولن تعترف بأسقف على أرض دولة قطر من خارج نطاق سيادة الكرسيّ الرسوليّ الأنطاكيّ، وتطلب من البطريركيّة الأورشليميّة إصلاح الوضع في أسرع وقت. وتأمل أن لا تضطرّ إلى اتخاذ مواقف تصل إلى قطع الشركة مع الكرسيّ الأورشليميّ، وإلى إعادة النظر في العلاقات الأرثوذكسيّة وفي اتفاقيّات جنيف الحاصلة من قبل اللجان التحضيريّة للمجمع الأرثوذكسيّ الكبير المقدّس، ومن ضمنها ما يعود إلى الانتشار الأرثوذكسيّ.
2 – الوضع الذي يعانيه مسيحيّو المنطقة يحتّم علينا العمل على تفادي كل ما من شأنه أن يهدد وحدة المؤمنين وشهادتهم. فالمسيحيون العرب مدعوون لتدعيم التواصل بينهم لمواجهة التحدّيات الكثيرة التي تشكّل خطرًا على أوطانهم، فيكونون خميرة سلام، وأخوّة. وتعي الكنيسة الأنطاكيّة الدور التاريخيّ والرياديّ الذي تلعبه في هذا المجال، وطنًا ومهجرًا، ولن تتخلّى عنه أبدًا.
3 – إن الاستمرار في تجاهل الواقع الذي أحدثته رسامة الأرشمندريت مكاريوس رئيسَ أساقفةٍ على قطر، سيحتم على البطريركية الأنطاكية أن تتخذ مضطرةً إجراءات في المستقبل تودّ أن تستبعدها بسبب المحبّة التي تريد أن ترعى العلاقات بين الكنائس الأرثوذكسيّة. ولذلك وبسبب هذه المحبة التي “تتأنّى وترفق” (1 كور 4:13)، وإفساحاً في المجال أمام المساعي السلامية التي نرجو أن تعيد الأمور إلى نصابها القانوني، فإن الكنيسة الأنطاكية ستكثّف تواصلها مع الكنائس الشقيقة لشرح موقفها، علّها تتفادى ما يمكن أن يتهدد الكنيسة الجامعة من مخاطر.
صدر عن المقرّ البطريركيّ في البلمند، في 13 آذار 2013