الله بعدما كلّم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة كلّمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه..” (عبرانيين 1 : 1 – 2)
وكلام الابن نعرفه بالروح القدس، الذي يعطينا فهم تقليد الكنيسة المكتوب (الكتاب المقدس)، والشفهي ( شهادة حياة الكنيسة)
… نورد فيما يلي أسبوعياً قبساتٍ من تجليات الرب في رعاياه الدمشقية (في أبرشية دمشق)، تعكسها لنا شهاداتٌ وعظاتٌ لآبائنا خدام الكلمة، الكارزين بالقائم من الموت لأجل خلاص العالم.
عظة هذا الأسبوع لقدس الأب نقولا وهبة
أحد الغفران
يطالعنا هذا الأحد ليُتِم عقد التهيئة للصوم الأربعيني الذي بدأ قبل أربعة أسابيع. فالرؤوس انحنت والقلوب تخشعت بذكر العشار المتواضع، وتحركت فينا حلاوة العودة إلى الحضن الأبوي مع تذكار الابن الشاطر، وبتذكار يوم الدينونة الرهيب علمنا أننا إلى زوالٍ عن وجه البسيطة، وأن الديان عادلٌ وعارفٌ بخبايا القلوب وسجايا النفوس وأنه سيأتي ولن يبطئ. وهذا الأحد الحاضر الذي يكمل رباعية فترة التهيئة، دعته الكنيسة بأحد الغفران هو موضوع تأملنا لهذا اليوم.
النص الإنجيلي الذي تلي علينا ابتدأ بعبارة: “إن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أبوكم السماوي زلاتكم”. فالرب الذي فتح لنا باب الغفران على صليبه وهدم حائط العداوة يجعل من غفراننا لإخوتنا جواز سفرنا إلى نوال غفرانه المتدفق بسخاءٍ للكل.
لابد لنا أن ندرك أيها المؤمنون تلك الثنائية التي نجدها دائماً في تعليمنا الأرثوذكسي وهي ثنائية الله والآخر… فالمحبة لا تصلح لله دون الآخر، والعطاء مرفوض إن تغاضى عن أعضاء جسد المسيح، وعمل الرحمة لا ينجي إن لم يمر عبر إخوة يسوع الصغار، وقربانك على مذبح الرب ينتظركَ حتى تذهب أولاً وتصالح أخاك، وصلاتك ترد ولا تقبل إن لم تغفر ما لكَ على أخيك…
وكما سِرنا ثلاثة آحاد حتى وصلنا إلى أحد الغفران، هكذا علينا إن أردنا عيش الغفران أن نحمل في قلوبنا تواضع العشار وندرك إدراكاً حقيقياً أننا مجلجلين بالخطايا وأننا لا نستحق أن نرفع رأسنا لنخاطب العلي. ومن ثم بتذكرنا الابن الشاطر نعلم بأن وضعنا الحالي في أفضل أحواله هو رعايةٌ وأكل مع الخنازير وأننا في غربة عن الله وأحبائه ولا بد لنا من عودةٍ إلى دياره. وبمعرفتنا الدينونة الآتية نرهب من عذاب الحجيم الذي يستمر أبعد كثيراً مما نتوقع وأوجعَ كثيراً مما نتخيل، وبأن محبتنا لأخينها هي السبيل الوحيد لتنقلنا رحمة المسيح من يساره إلى الجلوس عن يمينه.
لذا يطل علينا الغفران قبل الصوم ببرهة كأنه خيطٌ ذهبي خفي يعبر قلوب الرعية ليضمها ثانية كما يليق بجسد المسيح أن يكون… وكم نحب أن يكون. فإن أخطأ أخوك سبعين مرة سبع مرات فاغفر له لأنه من لحم المسيح ودمه كما أنت، وإن تذكرتَ أن خطايا أخيكَ قد فاقت السبعين سبع مرات، فتذكر أن خطاياكَ لخالقكَ ونبعِ حياتكَ قد فاقت السبعين مرفوعة للأس سبع مرات. وإن قال لكَ فكركَ أن تُأجل ولا تغفرِ لأخيك اليوم، فلا ترجو الديَّان أن يغر لكَ في ذلك اليوم.
ونحن الآن، أيها الأحباء، إذ ندرك هذه الأمور، تخزنا قلوبنا وتألمنا ركبنا قائلة أن انحني لأخيك ففي غفرانك له خلاصك وخلاصه، وينفتح فمنا ليقول للكل في نهاية هذا القداس: يا أخي اغفر لي لأجل محبة المسيح.
صوم مبارك
واغفروا لي لأجل محبة المسيح أنا الخاطئ الأب نقولا وهبة