كلمة رئيس مركز طرابلس في عيد الحركة الواحد والسبعين

mjoa Thursday March 21, 2013 95

صاحب السيادة المتروبوليت أفرام ملاك أبرشية طرابلس والكوره وتوابعهما الجزيل الاحترام
قدس الآباء الأجلاّء
الأخ الأمين العام
أيها الأحبّة

واحدٌ وسبعون عاماً ونحن ننهل من تلك المحبّة المستمرّة التي كشفها الله لنا عبر هذه الحركة. واحدٌ وسبعون عاماً ورجاؤنا مستمرّ في أن نتأهّل لتعبُر فينا تلك المحبّة وتحملَنا إلى حيث يشاءُ ربّنـُا أن نكون. ولأننـا دائماً على رجاء أن نكونَ أبنـاء هذه المحبة ما كان عيدنُـا إلا مناسبةً لترسيخ ثباتِنـا في هذا الرحم الحركيّ  الذي وَلدنــا في محبة المسيح. فنشكر الله الذي أهدى كنيستَنا وشبابَهـا تلك الرؤية التي وضعت شباباً إنطاكياً في طريق التوبة إليـه، ونضرع من أجل ثباتنا، جميعاً، في هذا الطريق بالأهلية المرجوّة لتلّقي نعمه واستقامة التزام كنيسته.

تأتي الذكرى هذا العام ونحن نفتقد أخاً كبيراً، انتقل عنّا، ساهم في تربية مُعظمِنا على محبة المسيح. في مناسبة كهذه نستذكر، معاً، الأخ ايلي الحاج عبيد بمحبتّه الكبيرة وتواضعه وانسحاقه وانسكابه نحو الله وكنيسته. لقد كان الأخ ايلي أميناً على القليل، ونحن في رجاء أن ربّنا جعله أميناً على الكثير  وأدخله الفرح السرمديّ حيث لحن المعيّدين الذي لا يفتر. هذا اللحن الذي سيصدح به صوته في مساكن القدّيسين.

أيّها الأخوة،
شهدت كنيستنا هذا العام حدثـاً بحجم انتقال أبينـا غبطة البطريرك أغناطيوس الرابع إلى الأخدار السماوية. وإذ نشهد، مع  الكلّ، على  ما تحلّى به بطريركنا الراحل من تفان في خدمة الكنيسة وتواضع وفقر إلى الله منذ نشأته وحتى رقاده، نرجـو الله أن يُسكن روحه في نور وجهه، ونشكره، في آن على محبّته الكبيرة التي أنعمت على كنيستنا بفرح ارتقـاء غبطة البطريرك يوحنا العاشر سدّة البطريركية الإنطاكية. هذا الفرح الذي غمرنا مجدّداً أمام ما حملته رسالة صاحب الغبطة الرعائيـة من هموم وآفاق نهضويـة. فرجاؤنا أن يقوّيه الله ويمدّه بسنين عديدة ليحقّق ما يرنو إليه من نهضة وتجدّد لكنيستنا الإنطاكية بمعاونة ودعم الآباء والأبناء معاً.

إن رسالة غبطته كشفت لنا حجم ما يواجه كنيستنا وتحتاجه لتكون فاعلة مؤثّرة حاملةً لنور المسيح إلى عالمنا اليوم. وهذا ما يضعنا، نحن الأبناء الذين أعلنّا التزامنا قضية الربّ، أمام مسؤولياتنا الكبيرة على هذا الصعيد خصوصاً في هذا الزمن الصعب. فالأوضاع السياسية المتفجّرة التي تحوط بنا وما يعتريها من عنف بشع، وكثافـة الإغراءات الاستهلاكية واللهث خلفها، تقود الشرائح العظمى من مجتمعنـا، ومنها الشرائح الشبابية بشكل أساس،  إلى إهمال كلّ منحى التزاميّ لقضية المسيح. آخذاً بعين الاعتبار هذه الصعوبات والتحدّيات، أطلّ على وضعنا الداخليّ، باختصار شديد، لأبحث عمّا  يغذّي وجوه حياتنا الحركية بمزيد من جديّـة الالتزام التي منها، وبها، نخرج إلى ما يُرتجّى منّا من دور شهادي في محيطنـا الخروج اللائق بأبنـاء النهضة التي نحتفل بذكرى انطلاقتها اليوم.

جديّة الالتزام أعني بها جديّة الصلاة والمشاركة في حياة الكنيسة الاسرارية، جديّة مرافقتنا للكتاب المقدّس وتقليد كنيستنا وتراثها، جدّيـة تربيتنا الايمانية، جدّية وحدتنا رؤيةً وفكراً وهماً، جدّية انفتاحنا على الآخر، جدّية التزامنا قضية الفقر والفقراء، وجديّة تأهيل أنفسنا ليكون لنا الحضور والدور الشهاديّ المرجوّ وسط هذا العالم. ليس سرّاً القول أن المصاعب التي تواجهنا على هذه الأصعدة لا يُستهان بها إذ أن واقعنا لا يرضي غايـة وطموح أيّ منّـا. هذا مع تقديري الكبير لتعب جميع الأخوة وجهودهم وسعيهم الملحوظ للوصول دائماً إلى ما هو أفضل. نحن، وبصراحة أقول، نحتاج إلى مصارحة عميقة في ما بيننـا تصل بنا إلى إعادة النظر، أو تحديد، أولويات اهتماماتنـا التي نراها تخدم أهدافنا الحركية والتربوية اليوم، وبحاجـة إلى أن نجرؤ ونواجه أحوالنا التنظيمية التي ترتبّ شؤوننا وصولاً إلى تقويم عميق لخبرة نظام الفروع وإقرار ما يجنّبنا بعض حالات التقوقع والانطواء التي نشهدها  هنا أو هناك  ويقوّي الارتباط  بيننا ليلحظ الجميع فينا صدى قول الرسول إلى أهل كورنثوس: “أطلب إليكم باسم ربّنا يسوع المسيح أن تقولوا جميعكم قولاً واحداً ….. وتكونوا كاملين في فكر واحد ورأي واحد”.

أيها الأحبّة،
إنطاكية تتجدّد…فليضء نوركم للناس. شعار أطلقناه عنواناً لعيدنـا هذا العام لنذكّر أنفسنا أن إلهنا هو اله الجدّة، وبالتجّدد الدائم بـه نواجه الضعفات والصعوبات ونعبر عنها. هذا التجدّد لطالما كانت ترجمته العودة للالتصاق بمنبع كلّ نور وجديد، بتلك “المحبة الأولى” التي تدعونـا، خصوصاً اليوم، إلى أن نواجه لهونا عن الله وكنيسته بمزيد من الصلاة والتسبيح، أن نواجه بهتان حضور كنيستنا بمزيد من التزام خدمتها والتجنّد في هيئاتها، أن نواجه الجهل بمزيد من التعب على تثقيف الذات، أن نواجه الجنون الطائفيّ والمذهبيّ بإصرار على محبّـة كلّ من نتقاسم معه العيش على هذه الارض والانفتاح على ما يهمّه ويعنيه. أتوّقف هنا قليلاً أمام ما نعيشه في لبنان من أحوال سياسية لألفت شبابنـا إلى أهميّـة أن تخلو مقارباتهم السياسية الشخصية ممّا يتناقض مع التزامنا الكلمة الإلهية وما يرجوه الربّ من أن نكون شهوداً للكلمـة أمام كلّ من وضعه في وجهنا. وبالعودة إلى التجدّد يبقى أن نواجه العنف والظلم بأن نكون دعاة عدالة اجتماعية ولا عنف، وأولاً، وأساساً، أن نواجه الفقـر والحاجات المتفاقمة بمزيد من العطاء.
وهنا، كأبناء لله، وإخوة في الإيمان، لا نستطيع أن نغفل عن الأحداث المأساويـة الكبيرة التي تجري في سوريا ونتائجها الإنسانية المأساوية. ومع ما يرافقنا من ألم، وفي ظلّ الحضور الضعيف والمبادرات الاغاثية الخجولـة والمتبعثرة على صعيدنا الكنسيّ، لا بدّ من الدعوة الصادقـة إلى التزامنا بشكل أكثر جديّة وأوسع في مشروع تأسيس صندوق “أحبّاء الربّ” الذي أطلقته هيئة الطوارئ الاجتماعية في الأمانة العامّة. نشكر الله على ما أعطي لهذه الهيئة أن تُنجزه، ونشكره على مبادرة بعض الأخوة للالتزام بما اقتضاه المشروع آملاً أن يعمّ هذا الالتزام على جميع الأخوة.
هكذا يُكشف نور المسيح الذي فينا ويُضيء أمام الناس وهكذا تتجدد إنطاكية بنـا ومعنا.

فلنعمل إذا يا إخوة برعاية وبركة سيدنا افرام ملاك هذه الأبرشية  الذي نشكر له رعايته احتفالنا بهذه الذكرى، والذي بمتابعته واهتمامه ومساءلته الدائمة لنا، يزيدنا التصاقا والتزاما بكنيسة المسيح ، فلتكن سنوه عديدة.

وأختم متمنّيـاً لكم أن تزيدوا ثباتاً وإشعاعاً بكلمة الربّ مُذكّراً أنفسنا بأننا الأبنـاء المدعوّين إلى أن ” نُبنى عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وإلى أن يكون الربّ يسوع المسيح  نَفْسُهُ هُوَ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ الأَسَاسُ في كلّ صعيد من أصعدة حياتنا”.

                 

   وكل عام وانتم بخير                        

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share