كلمة الأخت رنا عرنوق متري خلال الاحتفال بعيد الحركة الـ٧١ في مركز جبل لبنان

mjoa Thursday March 21, 2013 84

MJO71 jabal28         بداية أستهل كلماتي قائلة : إن تكليف الشباب السوري المساهمة بالتنسيق لعيد الحركة في مركز الجبل، كان لنا بمثابة القول ” أنتم من أهل البيت”، بيت على صخرته بني ألف بيت و بيت على المدى الأنطاكي ، بيت وجدنا فيه بينكم منازل كثيرة للحب و الأحبة فشكراً لكم.
لا بد أن أعترف أنني وفيما كنت أخط سطوري، تنازعتني هويتي السورية و اللبنانية، فالأولى أرادتني أن أكتب شاكرة حبكم و احتضانكم خفرة في مشاركتكم ألمنا و خوفنا من المستقبل، و اللبنانية التي عرفت محبتكم في السنين الأربع الماضية أرادتني حاسمة في تحميلكم همّ الإخوة السوريين همّ الحركة والكنيسة في سوريا. لكنّ قلمي وقلبي أسندا رأسيهما مرتاحين إلى انتمائي الحركي الأنطاكي الذي أرجو أنه منطلقنا الوحيد في مقاربة كل التحديات الموضوعة أمامنا، لا سيما تلك التي تفرزنا فيها الحرية بين صفوف سياسية مختلفة لكيما نؤكد من جديد التزامنا الأصيل بوجه الحركة الأنطاكي.
سبعون عاماً و عام مرت والحركة على مثال مؤسسيها وسيّد كنيستها، لا تكبر بالعمر ولكن العمر يكبر بحضورها، ولا تترنح تحت وطأة السنين بل تحوّلها مطارح للشهادة. فلا تتوقف التحديات تختبر انتماءها الأنطاكي و أصالة إيمان أبناءها ،و لا تكف هي عن تجدد تتبناه أو صناعة أحلام تصيرها بالنعمة المعطاة لها واقعاً معاشا.
لكن الحركة اليوم بخاصة والكنيسة الأنطاكية عامّة أمام اختبار بقاء ووجود، فهي في بيتها السوري مصابة في العمق .. ففي مناطق النزاع مات من مات ..
وأعلن برسم الموت من أعلن .. و قرع من تبقى أبواب الهجرة إما إلى بلاد لا يعودون منها أو إلى مناطق أكثر أمناً في الداخل السوري لعلهم يعيشون من فتات الأمل المتساقط عن مائدة الحياة ، لا يقل يأسهم عن يأس أهل هذه المناطق التي باتت تنزف كل يوم شبابها بعد أن ثقلت أيدهم عن حمل السلاح في أي صف، كان فكان أهون عليها أن تتمثل بالسيد و تتسمر على صليب الغربة لعلها تجد لنفسها رامياً آخر يقول:” أعطني هذا الغريب ثم خذ ما شئت مني”.

من بين هؤلاء الشباب كثيرون من إخوتنا الحركيين ممن كانوا هناك يتنشقون هوى الحركة و يعيشون بها و لأجلها، منهم من أمضيتم معهم أيام محبة في فرقة مركزية هنا و لقاء أمانة عامة هناك، منهم من حملوا مسؤوليات و أعباء كبرى في مراكزهم لكنها الآن خلت منهم و باتت “تمات كل نهار” لعلها تستمر في شهادتها لحب السيد رغم الغياب الكبير؛ و هم بدورهم تمر الأيام عليهم غريبة و قد غيبتهم الظروف عن العمل الحركي. لن أتعب قلوبكم بأعداد هؤلاء فوسائل الإعلام لا تكف كل ليلاً نهاراً عن إخبارنا بكم بات حملهم ثقيلاً على بلاد اللجوء. يكفيني أن أقول لكم أنه ، و بحسب الكاهن المتبقي لنا في مدينة حمص مثلاً، فقد طَلب منه من بداية الأزمة حتى اليوم 70% من العائلات الأرثوذكسية أوراق ثبوتية مختصة بالسفارات و طلبات الهجرة المقدمة لها… ناهيكم عن غير الأرثوذكس….
يكفي أن أقول لكم أيضاً أن مركز طرطوس ( المحسوب على المناطق الآمنة) حتى الآن خلا من مسؤول الجامعيين، الاستعداديين، الثانويين…و غيرهم . إذا فإن الدور التعليمي للحركة اليوم بات شبه معطل في سوريا و تبدو الكلمة ثقيلة الوقع على الأذن التي يتهددها الموت و الألم. فأي دور للحركة بخاصة و الكنيسة بعامة في ظل كل ما تقدم.. أي تصريحات نبتغي منها ,, أي شكل سيكون لها في ظل غياب معظم مراكزها … أي نوع من العمل الاجتماعي عليها أن تتبنى إن كان لدعم الإخوة في الداخل السوري أم المهجرين المتواجدين في لبنان… و هل لها أن تطمح و تحلم بالشهادة في مرحلة ما بعد انتهاء الأزمة، خاصة و أن الرب افتقد كنيستة ببطريركنا الجديد يوحنا العاشر الحبيب الذي تاريخه يشه بحبه للشباب و دعمه لهم. هذه كلها أسئلة تداولها الإخوة الجامعيين والعاملين في هذا المركز مع الإخوة السوريين في ورش العمل … و أرادوا أن يشاركوكم أفكارهم لكيما نحول هذا النهار يوماً تطلق فيه ورشة عمل شاملة في الحركة، تبدأ اليوم و لا تنتهي إلا بانتهاء ما سبب نشوءها. يوم تولد فيه الحركة ولادة ثانية من جرن محبة القريب هذه المرة ، فكم بالحري إن كان ذاك القريب من أهل البيت !!!

أولا: فيما يتعلق بالعمل الاجتماعي أي بالدعم المطلوب في سوريا و لبنان لا بد أن نعترف بأن بعض الرئاسات الكنسية تبذل جهودا جبارة في تقديم الدعم الذي يعطى لجميع الناس دون استثناء ، كما أن الحركة استجابت منذ اللحظة الأولى لواقع الأزمة و أسست هيئة الطوارئ التي أنتم ضمان استمرارها، و التي عليها نلقي رجاء كبيراً. و لكن لا بد أن نعترف أيضاً أن الواقع يفرض على الحركة اليوم تجددا من نوع آخر، تنتقل فيه الحركة من طريقة عفوية في العمل الاجتماعي إلى عمل أكثر مهنية و احترافاً، دون أن تقع في فخ مأسسة العمل الاجتماعي من حيث أنها تحوله قالباً بارداً ، لكنها فيما لا توفر فرصة للبحث عن موارد تستعملها في العطاء ،لا تتوقف أبداً تقدمها بكثير من الحب والاحتضان الذين هما شأن الحركة و دأبها. لم يعد بإمكان الحركة أن تكتفي بعطاءات أبنائها التي هي الخمير الذي يخمر العجين كله ، لكن أن تبحث عن مصادر جديدة للعطاء خارج هذا المحيط لتسد حاجات أكبر دون أن ترهق أبناءها الحركيين . و لعل احد أهم هذه السبل يتجلى بتأسيس مشاريع إنتاجية توظف طاقات أبناء الكنيسة. و هو أمر أشار إليه بيان صادر عن المجمع الأنطاكي المقدس و بقليل من السعي يخرج عن كونه حبراً على ورق . إن المأسسة ليس شراً عظيماً إنها في جوهرها تعني الترتيب و التكريس لمهمة ما فكيف إن تلاقى هذا مع الاحتضان و عفوية الحركة. أعتقد أن الكنيسة الكاثوليكية فهمت ما يجري فاختارت لها بابا يجب الفقير.

ثانياً: عما صدر و يجب أن يصدر من كلام و بيانات
سامحوني إن قلت: مسكين هو الرب الذي لا يجد له في الأرض صوت صارخ في البرية ، كيف عساه يأتي إن لم يهيء له أحد الطريق … مسكين هو ربنا لأننا اخترنا الصمت أمام جراح أكوام البشر في سوريا. لا نريد الكلام لنَدين هذا أو ذاك فهذا شأن الرب وحده. لكن لنشهد للحق ، لنعلي صرخة الألم لعلها تيقظ الضمائر الغافية في بنات أحلامها . لكن الرب إذ لا يجد له شاهد على الأرض، يصنع من الحجارة أفواهاً أكثر وفاءً منا في بنوتها لابراهيم، يعطي العاقر أن تلد معمداناً يسوح في البراري و يعلي كلمة الحق. مليونا طفل حتى اليوم هم ضحية الحرب في سوريا بشكل أو بآخر،، ناهيكم عن عدد النساء
والرجال و الشيوخ،،، عن الأحلام و المستقبل،، عن أجيال بأسرها . أمامها صدر بضع بيانات لا تتجاوز أصابع اليد أقل ما يقال فيها أنها لا تعزي قلب مفجوع.

وأما بعد فإن كان لنا في ظل ما يجري و ظل قرار الصمت هذا أن نشهد لعمق انتمائنا ،فإن ذلك يكون بأن يجند كل منا نفسه حارسا انتدبه الروح على بقاء كنيسة أنطاكية ، حارس لا يتسلح بقوانين و قوات أرضية تدعي حماية المسيحيين في الشرق بل بفعل المحبة الذي يضمد جرح الأخ و يشهد للرب في بلاد تنزف أبناءها كل ساعة.
زبدة القول، خوفي أن تبعات صمتنا هذا ستكون أكبر من أن تحتمل. و أن هناك الكثير مما يمكن أن يقال و يعمل دون أن يورط الكنيسة في اصطفافات سياسية فلنعط إذاً ما لقيصر لقيصر و ما لله لله.

ثالثاً: شكل الحركة الجديد
إن كان لنا أن نقرأ المستقبل الذي بدأنا نتلمس ملامحه، فلا بد أن نعترف أن العمل الاجتماعي سيصبح وجهاً بارزاً من وجوه عمل الحركة. كما أن الشباب الحركي خاصة و الكنسي بعامة لن يكون بعد كما عهدنا،، فما يعرف بالربيع العربي ( ربيعاً أردتموه أم خريفاً) اجتاح شواطئنا الوادعة ، و فسحة الألم
واليأس لم تعد تترك حيزاً للصبر و الصمت في قلوب الناس، فباتوا أكثر من أي يوم مضى كارهين للخطأ و الظلم أينما وجد حتى داخل محبوبتنا الكنيسة. لقد تم ملء الزمان، و أبناء الشرق لا يريدون غيره وطناً فهل سيسكتون طويلاً قبل أن يلدوا يسوع هنا؟

كما أنني أبشركم بفرح عظيم يكون للحركة، فإن وجود الإخوة السوريين في لبنان و احتضانهم في الفروع الحركية هو فرصة نادرة لتمتين وحدة الصف الحركي أكثر من أي يوم كان . فالشباب المقيم هنا جاء من مختلف المدن السورية و لا بد أن الحياة معهم ستوحدنا في الحب و الفكر يوماً بعد يوم. إن خبرة العمل مع الإخوة السوريين هنا علمتنا أن يوماً واحداً من الالتفات لهم أفضل من ألف سنة من الكلام في عينيهم.. لقد خسر كثيرون منهم بيوتهم في سوريا لكنهم صنعوا لنفسهم من جديد منازل لدى الآب حسب قولهم.. فلنتأمل في هذا جيداً و لنتعلم منه دروساً في البشارة و التعليم.

رابعاً: دور الحركة في مرحلة ما بعد الأزمة
لا غنى للحركة عن التفكير بدءاً من هذه اللحظة بكيفية العمل بعد انتهاء النزاع، و أحد وجوه هذا العمل هو لعب دور فاعل في مساعدة المجتمع السوري للانفتاح على مكوناته ، متجاوزاً الكره و الطائفية الذين ستخلفهما الحرب ميراثاً قبيحاً . . و هنا يمكننا إطلاق مشروع لتوثيق كل الخبرات الإنسانية
والمناقضة لمسار الحرب الطائفي و التي تضيء الآن في عتمة الحرب دون أن يلمحها أحد . لعل هذه الخبرات إن وثقت و جمعت تكون حجراً تبنى عليه المصالحة الداخلية في البلد.

أيضاً لا غنى للحركة عن التفكير بيكيفية إعادة إعمار المراكز الحركية و بالتالي الكنيسة في سوريا بعد الحرب، خاصة و أن الهجرة تلتهم أبناءنا دون أن تشبع.. إنها أمام هذا الواقع تجد نفسها مضطرة للعمل الدؤوب لاستبقاء ما أمكنها من الشباب السوري هنا ،خاصة ذوي الباع الطويل في العمل الحركي منهم ليبنوا من جديد بيوتا لنا في سوريا. إن عجزت الكنيسة عن إبقاء أبنائها في أرضهم فحري بنا أن ندفئ بحبنا جسدهم البارد الصغير الملقى أمامنا في المزود لكيما إذا هربوا إلى مصر غربتهم خوفا من قتل هيرودوس يحنون إلى هذه الأرض و يجودن لهم سبيلاً للعودة حال زوال الخطر. وفي الوقت نفسه عليهم( أي الشباب السوري)
يقع التكليف بأن يختاروا الشقاء مع شعب الله على التمتع الوقتي بالخطيئة و أن يحسبوا عار المسيح غنى أعظم من كنوز مصر. هذا ما سماه مؤخراً أحد معلمي الحركة بقاعدة الالتزام الحركي الجديد.

خاتمة: لعل كل ما تقدم يتطلب منا الكثير من العمل الجاد و إثراء الأفكار الذي لا غنى لنا عن تضمينها في مؤتمر عام للحركة ندعو لانعقاده في هذا الإطار نبحث فيه مع الإخوة جميعاً عن سبيل يقوينا لننشد مع رسول الأمم : “من سيفصلنا عن محبة المسيح؟ أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عري أم خطر أم سيف ، كما هو مكتوب: إننا من أجلك نمات كل النهار. قد حسبنا مثل غنم للذبح ،ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا ،فإني متيقن أنه لا موت ولا حياة، ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات، ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة ،ولا علو ولا عمق، ولا خليقة أخرى، تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا”. 
فهلموا إذا يا مبارَكي الآب هلموا للعمل والخدمة قوموا معنا لننطلق فليس هو ههنا إنه يسبقنا إلى الجليل هناك ترونه، حيث الموت والحزن مشغول مع إخوته الصغار يريد أن يصنع لهم بنا قيامة تليق بجراحهم، قيامة تحطم أبواب الجحيم فلا تقوى على كنيسة الرب.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share