الأرثوذكسية لا تعني، لغة، طائفة من طوائف لبنان. هي كلمة يونانية تدل عند معتنقيها الأصليين على الذين يؤمنون انهم في ديانتهم على استقامة الرأي أو على سلامة ما استلموه من الأوائل ولا يقابلهم باليونانية الهراطقة اي الذين انحرفوا عن الرأي المستقيم ولكن يقابلهم الآخرون كما نقول في اليونانية ايضا. من يسمون انفسهم الارثوذكسيين اذا أصروا على استعمال اللغة لا نسميهم في اللغة اليونانية بما يقابل الكفار بالعربية بل نطلق عليهم اسم الآخرين.
فالمسيحيون اذا كتبوا في التاريخ ربما نعتوهم بالانحراف عن الإيمان القويم ولكنهم في الاستعمال الكنسي المألوف عندنا يقولون عنهم آخرين. لعل في هذا احتراما للناكري العقيدة المظنونة سليمة.
أنت اذا نعت إيمانك أو مضمون إيمانك بأنه عقيدة فتريد انه هو العقيدة بأل التعريف المطلقة والا فلست بجدي. لمجرد استخدامك لهذه اللفظة تكون مخطئا للموقف النافي لها.
يلفتني في هذا البلد إصرار الناس لسبب وطني على ان يؤمنوا (بتشديد الميم) جميع الناس على عقائدهم و”صلبانهم وبيعهم” كما فعل المسلمون الأوائل باحترامهم حرية الآخرين وهذا إقرار بحق حريتهم اي بحرية بقائهم في الخطأ لا اذا احببنا ان نسند هذه الحرية إلى كون هؤلاء هم حسب المصطلح القرآني كلهم ملة ابراهيم بناء على فهمنا الآية القرآنية «كنتم خير امة أخرجت للناس». ربما بني هذا الموقف على انك ان كنت على النصرانية أو اليهودية أو الإسلام المحمدي لست مختلفا عن الآخر لكون ابناء ابراهيم كلهم واحد. هل هذه فكرة التساوي ضمن التعدد التي اظنها – بعبارة عصرية – مقولة قرآنية؟
يزعجني اعتراض بسطاء الناس أو المتعصبون بتفاهة على قولنا: هذا مستقيم الرأي وهذا آخر. الكنيسة التي انتمي اليها عندها هذه اللياقة في الاستعمال الأدبي الا تسمي الآخر منحرفا أو هرطوقيا. في اليونانية لفظة هرطوقي لا تحمل الشتم أو السباب. المراد بها الآخر.طبعا انت مضطر ان تقول ان هذا الذي لا يقول قولي هو آخر. لي ان اضمه إلى صدري بالمحبة الأخوية ولكنه مضموم وليس هو أخًا في حين ان المستقيم الرأي هو انا حسب قول المتصوفة المسلمين. “أنا من أهوى ومن أهوى أنا، نحن روحان حللنا بدنا”.
لماذا هذه اللياقة بغير محلها الا استطيع ان اسمي الآخر آخر؟ يجب ان اقول اننا واحد ونحن ليس عندنا معيار واحد نقول به اننا واحد.
أفهم اني واحد مع كل انسان ولكن هذا هو محبة ونحن مختلفان اذا قلنا شيئين مختلفين. من قلل أهمية الاختلاف فكأنه يقول ان الاختلاف ليس بالاختلاف وانا اقول له اني احب من اختلفت معه بالقدر عينه الذي احب فيه من كان واحدا معي في العقيدة لأن الحب معطى لمن يؤمن مثلك ولمن لا يؤمن مثلك. بولس الرسول لم يميز في المحبوبية بين الذي كان على عقيدتك ومن لم يكن عليها.
الا نستطيع ان نفهم اننا نضجنا بالمحبة حتى لا نشعر ان علي ان اقتل المختلف؟ اما آن الأوان لأخذ القريب والبعيد في ضمة واحدة إلى صدري؟ ستبقى البشرية مجموعة ناس بتصادم عقائدهم وهم قادرون ان يحبوا بعضهم بعضا لأنهم هم الباقون امام عيني بعظمتهم وهوانهم.
هل نحتاج إلى تصنيف البشر في عقائدهم حتى تتفاوت محباتنا لهم؟ فاذا كان لون الوجوه لا يستوقفني لأحب الناس ولا تستوقفني لغاتهم وأحزابهم، لماذا أقف عند التباين بين عقائدهم. اما قصد يسوع الناصري بقوله: “تحب قريبك كنفسك” انك انت امامي وحسبي ان أراك لأحبك ولا أسألك عن قناعاتك الروحية لأضمك إلى صدري لأني لا أضم إلى صدري الا ربك الكامن فيه؟
قال بولس لا بد من الانشقاقات بينكم (1كورنثوس 11: 18) وعلى هذا انتم مجتمعون في المحبة التي أنزلها الله عليكم بمجانية محبته. الفرقة بين الناس ليست ناتجة بالضرورة من سوء نياتنا. انها ثمرة اختلاف العقول وهذا الاختلاف معقول فينا على استمداد أنفسنا من العقل الإلهي.
لن تتوحد الأديان. انها تعابير وتجملها تعابير وهذه لن تذوب احداها بالاخرى ولا تعاد الواحدة إلى الاخرى. كل قولة قائمة بذاتها وهي شبه كيان مستقل في العقل. والعقول تبقى متصادمة أو مختلفة ولو تآلفت احيانا. اذا لم تقل قولي لك ان تحب الله واجتمع اليك في المحبة اذا اجتمعت اليه وهذا اهم من ان نجمع على قول واحد. ولكن في الكنيسة القول واحد لأن الإيمان واحد.
كانت الكنيسة في المجامع تسعى إلى ان تأتي العقيدة واحدة في تعبير واحد لأن الكلمات الواحدة تؤكد المضمون الواحد. فإذا انت تلوت دستور إيمان واحد معي تبدي ان لنا عقيدة واحدة. لذلك نصر على ان نعبر عن الإيمان بكلام واحد للتأكد من سلامة الإيمان.