تجليات دمشقية : أحد الأرثوذكسية

mjoa Monday March 25, 2013 146

الله بعدما كلّم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة كلّمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه..” (عبرانيين 1 : 1 – 2)
وكلام الابن نعرفه بالروح القدس، الذي يعطينا فهم تقليد الكنيسة المكتوب (الكتاب المقدس)، والشفهي ( شهادة حياة الكنيسة)
… نورد فيما يلي أسبوعياً قبساتٍ من تجليات الرب في رعاياه الدمشقية (في أبرشية دمشق)، تعكسها لنا شهاداتٌ وعظاتٌ لآبائنا خدام الكلمة، الكارزين بالقائم من الموت لأجل خلاص العالم.

عظة هذا الأسبوع لقدس الأب يوحنا فرزلي

أحد الأرثوذكسية الأحد الأول من الصوم
الإنجيل : من بشارة يوحنا (يوحنا 1 : 43 – 51)
الرسالة: من رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين (عبرانيين 11 : 24-39)


باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين

أيها الأحباء ليس العمى أن يكون الشخص فاقداً لعينيه الحسّيتين، فهذا ضمن نطاق الطبيعة إلا أن العمى الأخطر أن يكون الشخص عائشاً في الظلمة، منغمساً في الخطيئة ولاهثاً وراء شهوته وملذاته الجسدية. كما قال الكتاب “وهذه هي الدينونة أن النور قد جاء إلى العالم وأحب الناس الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة” (يوحنا 3 : 19).

وجاء الرب يسوع  كمخلص للبشرية جمعاء، وشافياً لكل العميان كما حدث لأعمى أريحا عندما قال له يسوع أبصر إيمانك قد شفاك (لوقا 18 : 35)

أما اليوم فيقوم الرب يسوع بشفاء أعمى من نوع آخر. يقوم بإزالة القشور والغشاوة عن عيون نثنائيل. فيدخل الرب يسوع إلى بصيرة قلبه الداخلية. كي يُنير ويُوقظ شعلة الإيمان في مفاصل كيانه المستتر.
إنها كلمات قليلة، وهمسات أبوية تخرج من فم الآب السماوي ليعلن لنثنائيل ومن خلاله لنا نحن البشر أجمعين عن صفاته الإلهية ومعرفته المسبقة “وأنت تحت التينة رأبتك” (يوحنا 1 : 48) .

نعم هذه هي العين الساهرة، عين الراعي الصالح، الذي يبحث عن خروفه الضال نعم هذه هي عين الألف والياء، الضابط الكل كما يقول المزمور (102 : 5) “من مثل الرب إلهنا الساكن في الأعالي؟ والناظر ما هو في الأعماق مما في السماء ومما على الأرض”.
وأمام لمعان نور المسيح، انتقل نثنائيل من ظلام الجهل وعدم المعرفة إلى واحة الإيمان، وأمام كلمات يسوع الأبوية انتقل نثنائيل من محدودية الناصرة وجغرافيتها فصعدت بصيرته الداخلية إلى السماء الرحبة حيث هناك سكن العلي صارخاً مع داود النبي القائل “الرب في هيكل قدسه، الرب في السماء كرسيه، عيناه ترقبان البائس، جفناه يعجنان بني البشر” (مزمور 10 : 5) .

وكأن هذا الزلزال العاطفي الذي اجتاح كيان نثنائيل فدمّر كل رواسب الماضي والمعرفة السطحية لبني جنسه عن أقوال موسى والأنبياء. فصدقت نبوءة أشعياء النبي فيهم كما تفوّه الرب يسوع عندما سأله تلاميذه لماذا تكلمهم بأمثال قائلاً “لأنهم مبصرين لا يبصرون وسامعين لا يسمعون ولا يفهمون” (متى 13 : 13).

نعم لقد اخترق سيف الروح قلب نثنائيل فاستنارت عيناه الحسية بمحاورتة لرب الجنود وجهاً لوجه. وأضاءت شعلة الإيمان قلبه، فتحرر من قيود المعرفة القديمة كي تتطاير روحه في فضاء الإيمان الرحب وانطلق لسانه مبشراً نبع الصلاح قائلاً “أجاب نثنائيل وقال له يا معلم أنت ابن الله أنت ملك إسرائيل” (يوحنا 1 : 49)
هذه الاستنارة الروحية وهذه البصيرة النيِّرة التي تُحرك كل من يمتلكها نحو نبع الخير ونبع الصلاح تحركه بكل كيانه وبقلبه وبمشاعره وحواسه.

هذه العين الداخلية هي نفسها التي قادت وحركت آباءنا من أنبياء العهد القديم إبراهيم واسحاق وجدعون وشمشون وداود وصموئيل وكما سمعنا في الرسالة أن هذا الإيمان بالذي يحيي الموتى ويدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة هو الذي حفظ موسى النبي نقياً طاهراً عفيفاً، رغم كل التجارب التي أحاطت به ورغم شراك امرأة فرعون وما تمثل من مكاسب مادية ومتعة وقتية إلا أن عيناه الداخلية وبصيرة قلبه كانت ملتصقة برب الجنود كانت مسمرة على معطي الحياة، حيث هنالك الفرح والسعادة الحقيقة وحيث هنالك النصيب الصالح كما تقول الرسالة إلى (العبرانيين 11 : 16) “لأنه نظر إلى الثواب” وكان حال لسانه يتقاطع مع صرخة النبي داود القائل في (المزمور 24 : 15) “عيناي إلى الرب في كل حين لأنه يجتذب من الفخ رجلي”.

اليوم يا أحباء ونحن قد بدأنا شوط الصوم المبارك. نعايدكم بهذه الأيام الفضيلة والمليئة برانحة عطر الصلاة والجهاد الروحي والبركة نرفع إليكم صرخة الكتاب المقدس، قائلين مع الرسول فيلبس “تعال وانظر” (يوحنا 1 : 46).

تعالو أيها الأحباء، انهضوا أيها الأخوة كي نستغل زمان غربتنا في هذه الأرض كي نقدم للرب ثمار تليق بالتوبة. ونزيل الغشاوة والقشور التي تغطي عيوننا الحسية وعيوننا الداخلية لنعاين السماء مفتوحة ولنرى ملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن البشر.
إن لهذه الرؤية ثمن ولهذه الرؤية مستلزمات وأولها أن نتخلص من رواسب الخطيئة القديمة الساكنة فينا وأن نلجم أهواءنا الجسدية، ونتخلص من الأصنام الحجرية التي نعبدها. أو الأصنام الأرضية التي تقيدنا من هم وخوف وقلق وحسد وكبرياء كي لا ينطبق علينا قول الكتاب المقدس “لأن قلب هذا الشعب قد غلظ غمضوا عيونهم لئلا يُبصروا بعيونهم ويسمعوا بآذانهم ويفهمو بقلوبهم ويرجعوا فأشفيهم” (متى 13: 15).

دعونا يا أحباء في فترة الصوم هذه نقوي بعضنا البعض ونسند الضعفاء ونقف إلى جانب الحزانى والمضنوكين دعونا نتعالى فوق جراحاتنا ونصعد على سلم السماء تاركين خلفنا ثقل الخطيئة ولنصعد على جميزة الإيمان لنعاين مسيح الرب كما حصل مع زكا العشار “وصعد على جميزة لكي يراه” (لوقا 19 : 4). دعونا نسمّر عيوننا شاخصة إلى الرب يسوع كونه ابن الله والمخلص والقادر على أن يخلصنا من كل ضعفاتنا وينتشلنا من أوحال هذه الأرض إلى رحب ملكوت السماوات . دعونا نجاهد في هذه الفترة الخلاصية بهمة وحماس كي يترأف الله بنا وبشعبنا الطيب وبعائلاتنا وبلدنا الحبيب متضرعين مع صاحب المزامير هاتفين “إليك رفعت عيني يا ساكن السماء كما ترتفع أعين العبيد إلى أيدي مواليهم وعينا الأمة إلى يدي سيدتها كذلك أعيننا إلى الرب إلهنا حتى يتحنن علينا” (مزمور 122 : 201).

ونعمة الرب تحفظكم أجمعين

الأب يوحنا فرزلي
      23/3/2013



0 Shares
0 Shares
Tweet
Share