اعتداء كنسيّ فاسد

mjoa Wednesday March 27, 2013 112

وحدة الكنيسة الجامعة المقدّسة الرسولية، وفق المفهوم الأرثوذكسي، تتأسّس من الوحدة القائمة ما بين الكنائس المحلية المستقلة ذات الحدود الجغرافية المتعارف عليها. فالأبرشية، التي يوجد على رأسها أسقف يرعاها ويديرها ويدبّرها، هي كنيسة مستقلة، ولا يحقّ لأي أسقف آخر أو أبرشية أخرى التدخّل بشؤونها الداخلية.

منذ القرون الأولى للمسيحية عرفت الكنيسة الأرثوذكسية نظام البطريركيات الخمس: روما، القسطنطينية، الإسكندرية، أنطاكية، أورشليم (القدس). ولكلّ بطريركية مجمع مقدّس يتألف من أساقفة الأبرشيات، ويرئسه البطريرك الذي هو أسقف المدينة القطب، ومن دون أن تكون له سلطة قانونية على أيّ من الأساقفة أعضاء المجمع.

وحافظت الكنيسة الأرثوذكسية على هذه الاستقلالية بعد نشوء البطريركيات الحديثة والكنائس المستقلة: موسكو، بلغاريا، صربيا، رومانيا، اليونان، ألبانيا… لكن مع انتشار الأرثوذكس خارج بلدانهم الأمّ وخارج الأطر الجغرافية التاريخية للكنائس الأرثوذكسية، نشأت مشكلة الرعايا الأرثوذكسية في بلاد الاغتراب، وهكذا أصبح يوجد أكثر من أسقف في المدينة الواحدة، وفي هذا مخالفة صريحة للتراث الأرثوذكسيّ الذي يقول بعدم جواز وجود أكثر من أسقف واحد في المدينة الواحدة.

إذا كان وجود أكثر من أسقف في المدينة الواحدة غير المنضوية تحت سلطة أي من الكنائس الأرثوذكسية المستقلة يُعتبر مخالفة لاهوتية لا لبس فيها، فكم بالأحرى عندما تعتدي كنيسة من الكنائس على كنيسة شقيقة؟ هذا ما حصل حين عيّنت البطريركيّة الأورشليمية مطراناً تابعاً لها بصفة “رئيس أساقفة قطر” التي تقع ضمن الحدود التاريخية والقانونية للبطريركية الأنطاكية وسائر المشرق، وتتبع لمطران أنطاكيّ هو مطران بغداد والكويت والخليج العربي المتروبوليت قسطنطين باباستيفانو. وقد اجتمع مطارنة الكرسيّ الأنطاكي برئاسة البطريرك يوحنّا العاشر، واعتبروا أنّ هذا التعيين “يخالف القوانين الكنسية الأرثوذكسية الجامعة لأنّ كلّ بطريركية مستقلة، ولا يسوغ أن تتدخّل بطريركية وتنتخب مطراناً على أرض بطريركيّة أخرى”. وكان البطريرك يوحنا بعث برسالة إلى البطريرك الأورشليميّ ثيوفيلوس الثالث عشر عبّر فيها عن تفاجئه بالقرار وطلب إعادة النظر فيه. ثمّ تمّ تعميم الرسالة على سائر رؤساء الكنائس الأرثوذكسية المستقلة.

هذا الاعتداء الأورشليميّ على الكنيسة الأنطاكية يضاف إلى السجل الأسود لتصرّفات القائمين على الكنيسة المقدسيّة. فهم، اليونانيون وغير الفلسطينيين، قاموا بتأجير آلاف الدونمات من أراضي الأوقاف الفلسطينيّة للمستوطنين اليهود لآماد طويلة وبأسعار رمزية في مقابل تغاضي السلطات الإسرائيلية عن هيمنتهم على الكنيسة الأورشليمية وإبعاد كلّ ما يمكن أن يعيد للعرب المسيحيّين حقهم بإدارة كنيستهم المحلية. يتحالفون مع الدولة الإسرائيلية الغاصبة ضد أبنائهم العرب الأرثوذكس، ولا يكترثون للوجود المسيحي في فلسطين مكتفين بالسياحة الدينية التي توفر الأموال لهم وللدولة المحتلة.

هذا “الاستعمار اليوناني” للكنيسة المقدسية باتت شهيّته بلا حدود، لذلك استباح هذا الاستعمار أراضي الكنيسة الأنطاكية. والسؤال هو هل كانت الكنيسة المقدسية لتهتمّ بالكنيسة في قطر لولا الشهوة إلى المال؟ لماذا لم تفكّر الكنيسة المقدسيّة بالمسيحيين الفلسطينيين الفقراء الموجودين في المخيمات وفي مدن البؤس العربية ولم يهمّها إلا قطر؟ هل سينزل النور المقدّس، كما يظنّ بعض الأرثوذكس، هذه السنة ليضيء شمعة البطريرك المعتدي علماً أنّ الله لا يحبّ المعتدين ولا شمعاتهم؟

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share