الزمان الآتي

mjoa Tuesday April 9, 2013 115

غالبا ما صممت مستقبلك وفق مصالحك التي تراها الآن غير مالئ هذا المستقبل بما ينزل عليك من إلهام في الآتيات. مستقبلك، اذ ذاك، مدى أناك كما تبدو لك اليوم اذا كنت لا تتوقع شيئا من الله. في الإيمان عندنا كامن الرجاء لأنه توقع مستقبلات تأتي بها النعمة.
تأمل بغير محله الظن ان المستقبلات أفضل من الحال التي أنت عليها اليوم. حسن أمورك لا يأتي من تقادم الزمان ولكن من تحسين يومك بالأبديات. لا قدرة لك على الهروب من واقع إلى توقع الأفضل.

الزمان الآتي غالبا ما كان مثل يومك. انهما من نسيج دنياك أو مما يجعل الناس دنياك وهم أحباؤك أو مبغضوك ان لم تجعل مستقبلك مدى لحقيقة نازلة عليك تكون لنا جميعا خلاصا.

ان لم تقدك آلامك الى وجه الله تكون حياتك مبددة في ضبابية العالم. الثابت ليس العالم ولكن ما ينزل عليه. اذا صح قول الكتاب: “كل انسان كاذب” يبقى ان تتعاطى الكاذبين كما هم لأنهم جزء لا يتجزأ من دنياك والا كان عليك ان تخرج من العالم كما يقول الرسول.

نعيش رجاءنا النازل علينا من فوق في هذا العالم ولكن لا رجاء لنا منه لأنه ليس منا ولا نحن منه.
عيروني بالتشاؤم. اذا انت رأيت الناس كما هم تدفعك الرؤية الى ان تشاهد عند بعض قباحة. ولكن ما مشكلتنا مع الأنقياء القلوب الذين عصمهم ربهم عن ملامسة القباحات وأقامهم في الرؤية الوضاءة؟

اذا كنت محدودا فقط على مدى الأيام وغدوت ثاقب الرؤية تشاهد قباحة الوجود. هذا ليس بخطأ. الخطأ ان تخطفك رؤية القباحات حتى يستحيل عليك الرجاء. والرجاء عندنا ليس انجذابا إلى خيالنا. انه الاختطاف إلى وجه الله الذي ينحت وجوهنا على رسم وجهه ويؤلهنا بذلك النحت. كل شيء وجهه وما يرتسم منه علينا.

عندما يقول يسوع الناصري: “ثقوا اني غلبت العالم” هل يريد فقط انه غلب بشاعته كما يقول المفسرون ام انه واضع جماله هو بدل البشاعة؟
كلمة عالم في هذا السياق تعني العالم الساقط ولا تعني خليقة الله لأن الله يكون قد غلب نفسه لو غلبها. هذا العالم عند خلقه كان على جمال الخالق ثم انبث الشر فيه فقبحه. مع ذلك اراد الرب الا تستحوذ عليه القباحة فترك فيه شيئا من صورته ليتمكن أبدا من رؤية الرب ولو مشوهة. غير انه كان قادرا ان يعرف أصل الصورة ويقدره.

الله لم يخلق العالم على صورته. خلق الانسان وحده على صورته بمعنى ان الانسان شبه الله لأن الانسان حر مثله، هكذا فسّر بعض آبائنا. ما معنى انه مثيله الا بمعنى انه محب وهكذا فسر بعض. واذا تكلم بعض من المتأملين في هذا الشيء قالوا إن الانسان حر مثل الله أو محب مثله. الحقيقة في لاهوتنا انه حائز كل صفات الله ما عدا الخلق ولكن الخلق ليس صفة. انه فعل. الحقيقة انه ليس عندك من صفة حميدة الا اذا كانت على شبه الصفة المماثلة لها عند الله حتى تتحقق الانسانية ليس في الفرد فحسب ولكن في تعاضد الجماعة وسعيها معا إلى الوعود الالهية التي سمعت بالانبياء ومع المخلص.

***

الازمنة كلها متشابهة بخيرها وشرها، بالعنف والحب وبهذا المعنى ليس شبيه تحت الشمس وان كان كل شيء باطلا. لعل الباطل كتب علينا لكي نرجو ان ينزل الحق علينا من السماء. هذه هي مأساة الانسان ظنه انه قادر ان يخلق نفسه بنفسه وان يحرث الأرض بما فيها من قوة. كل الكفر ان تجعل الله عاليا جدا حتى لا تحس به منعطفا عليك. في الكتاب حديث عن سمو الله وعن تنازل الله في المسيح يسوع. والنازل هو الذي سما وتسمو انت به. “ان الذي نزل هو الذي صعد” إلى اعلى السماوات وعطاؤه الينا انه يجلسنا على العرش معه عن يمين أبيه لأن تأنس ابن الله يقودنا إلى تألهنا والا كان التأنس بلا معنى ولا قصد.

فرادة المسيحية انها ما كانت حركة من الألوهة إلى البشر الا لتقذف البشرية من تحت الى فوق. وهاتان الحركتان تحققتا في المسيح يسوع. الحديث عن الله رابضا فوق الجبل حديث في الديانة الاغريقية القديمة وفي اليهودية أيضا.
في المسيحية هذا الإله مع بقائه في الأعالي تجسد وصار مثل واحد منا حتى لا تبقى الهوة قائمة بين الله والانسان إلى الأبد.

كل السؤال المتعلّق بالرباط بيننا وبين الله هو هذا: هل الله مع بقائه في الأعالي ينزل الينا بحركة نسميها النعمة بعدما نزل في الجسد بابنه الوحيد؟ وهل بالحركة العكسية نصعد بدورنا اليه لنجالسه على العرش فإن لم يكن العرش مقصد الله ومقصدنا في آن واحد لا يكون الملتقى قد حصل.
الألوهة هل هي فوق فقط أم تحت أيضا، هذا هو السؤال، وأجابت المسيحية عن هذا السؤال بقولها: “ان أحدا لم يصعد إلى السماء الا الذي نزل من السماء ابن البشر الذي هو في السماء”. ليس في الامر حركة مكانية لأن الله ليس في مكان. الامر كله انعطاف نعمة.

وهذا ليس حلولا في الجوهر لئلا نقع في فرط الألوهية وتاليا تعددها في الشرك. هذا حلول حب والحب لا يكسر الله ولا يعدده. الحب يذيع قوته ولا ينفرط. الحب وحده يكشفه واحد يمده ولا يعدده. الله ينتشر بعطائه ويبقى منقبض الجوهر. النعمة تنتشر وتبقى فيه وتلازمه. فاذا انتشر يظل الله في ذاته. حبه ينتشر. لا يفنى في الزمان. هي تمتلئ منه وبذا يرعاها ولو بقي جوهرها لها.

الأزمنة تتوالى باستقلالها التاريخي وإبداعها والله فيها وهي ليست اياه ولكن نتاجها منه. وهو يأخذ الأزمنة اليه ويجمع اليه في اليوم الأخير البشر وما جاد به عليهم في كل أزمنتهم وبهذا المعنى ينهي التاريخ ويتممه بمصالحة الجميع في جسد المسيح البشري.

وإنهاء التاريخ إكليله في المجد الذي ينزله الله عليه واذا دخل التاريخ في مجد الله يعني التقلب الزمني ونرث الملكوت “المعد لنا منذ انشاء العالم”.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share