إحياء لعازر

mjoa Monday April 22, 2013 500

قبل دخول السيّد المسيح إلى أورشليم بيوم واحد، أقام من بين الأموات شخصاً اسمه لعازر. هذا الشخص كان “يسوع يحبّه”، وكان أخاً لشقيقتين مشهورتين في تاريخ الكنيسة الأولى، هما: مرتا، ومريم التي دهنت قدمَي يسوع بالطيب ومسحتهما بشعرها (يوحنّا 12: 3). لقد رأت الكنيسة في إحياء لعازر صورة عن القيامة العامّة والحياة الأبديّة التي وُعد بها المؤمنون. وينفرد الإنجيليّ يوحنّا برواية حادثة موت لعازر وإقامته وذلك في كامل الفصل الحادي عشر.

Lazarus Miracle Icon Sinai 12th century

عندما مرض لعازر أرسلت أختاه مرتا ومريم مَن يبلّغ يسوع بالأمر، فعلّق قائلاً إنّ “هذا المرض لا يؤول إلى الموت، بل إلى مجد الله، ليمجَّد به ابن الله” (11: 4). ومع هذا، بقي يسوع حيث كان، يومين، قبل أن يتوجّه إلى بيت عنيا القرية التي يسكنها لعازر وشقيقتاه. وفي هذا الصدد يقول القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم (408+) إنّ السيّد المسيح قصد التأخّر يومين قبل أن يلبّي دعوة مرتا ومريم “لكي يلفظ لعازر أنفاسه ويُدفن ويبدأ جسمه بالانحلال والفساد”. ويسوع نفسه يقول للتلاميذ، عندما دعاهم إلى مرافقته: “إنّ صديقنا لعازر راقد، ولكنّي ذاهب لأوقظه” (الآية 11). ويقول لهم في آية أخرى: “ويسرّني، من أجلكم كي تؤمنوا، أنّي لم أكن هناك” (15). أي إنّه كان يعلم مصير لعازر بأنّه سيموت وسيقيمه لـ”مجد الله” كما ورد في الآية الرابعة.

 

 

 

 

 

التلاميذ يخافون تلبية نداء المسيح لمرافقته إلى بيت عنيا خشية من اليهود الذين حاولوا رجم المسيح (الآية 8). وفي هذا السياق يأتي جواب الرسول توما: “فلنمضِ نحن أيضاً لنموت معه” (الآية 16). للوهلة الأولى تبدو دعوة توما للرسل الآخرين وكأنّها تشجيع على الاستشهاد وتوق إلى تقاسم المصير ذاته مع المسيح. ولكنّ القدّيس الذهبيّ الفم يقول إنّ الرسول توما تفوّه بهذا الكلام “خوفاً من الموت، وليس حبّاً بالشهادة”، ويتابع قائلاً إنّ توما “بعد القيامة -فقط- وإيمانه بها صار لا يهاب الموت”.

يبلغ الحدث ذروته اللاهوتيّة في الحوار الذي جرى بين السيّد ومرتا. المسيح يقول لها: “سيقوم أخوك”، مرتا تجيب: “أعلم أنّه سيقوم في القيامة في اليوم الأخير”، لكنّ المسيح يعلن لها في الآية الشهيرة: “أنا القيامة والحياة. مَن آمن بي، وإن مات فسيحيا. وكلّ مَن يحيا ويؤمن بي لن يموت للأبد” (الآيات 23-26). هنا يشدّد المسيح، كما في آيات عديدة من إنجيل يوحنّا، على كون الحياة الأبديّة قد بدأت، وليست هي شيئاً مستقبليّاً ينتظره المرء. فمَن يحيا مع الله في هذه الحياة الدنيا يستمرّ حيّاً بالله ومع الله -من دون انقطاع- في حياة أبديّة. وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة من يوحنّا: “الحقّ الحقّ أقول لكم: مَن سمع كلامي وآمن بمَن أرسلني فله الحياة الأبديّة ولا يمثل أمام القضاء بل انتقل من الموت إلى الحياة” (5: 24). وتجدر الإشارة إلى أنّ الكاتب يستعمل في هذه الآية فعل الكينونة بصيغة الحاضر، لا بصيغة المستقبل، وفي هذا دلالة إلى أنّ الحياة الأبديّة حاضرة “الآن وهنا”، أي في الزمان والمكان الحاضرين.

يصف النصّ الإنجيليّ ردّ فعل السيّد المسيح أمام حادثة موت صديقه لعازر، فيروي أنّ يسوع “جاش صدره واضطربت نفسه (…) ودمعت عيناه” (الآيات 33-35) هنا إشارة هامّة إلى طبيعة السيّد المسيح الإنسانيّة، وإلى كونه إنساناً تامّاً. وهذا الأمر ضروريّ جدّاً، وبخاصّة أنّ إنجيل يوحنّا يشدّد أكثر من غيره من الإنجيل على ألوهة السيّد. ومع أنّ لعازر قد أنتن، إذ مضت عليه أربعة أيّام في القبر، صاح به المسيح بأعلى صوته: “يا لعازر، هلمَّ فاخرج”، فخرج (43-44). واللافت أيضاً أنّ المسيح يعيد التأكيد على أنّ وفاة لعازر كان الهدف منها “مجد الله”، إذ يشدّد عزيمة أخته مرتا قائلاً لها: “ألم أقل لك إنّك إن آمنت ترين مجد الله”، أي ترين عودة أخيك إلى الحياة.

عندما رأى عظماء الكهنة والفرّيسيّون إيمان الكثير من اليهود بالمسيح من جرّاء إحيائه لعازر، قرّروا قتل المسيح لأنّه “يأتي بآيات كثيرة. فإذا تركناه وشأنه آمنوا به جميعاً، فيأتي الرومانيّون فيدمّرون حرمنا وأمّتنا”. ويأتي الحكم على لسان قيافا عظيم الكهنة: “خيرٌ لكم أن يموت رجل واحد عن الشعب ولا تهلك الأمّة بأسرها” (الآيات 45-54). لقد حكم أعضاء المحفل اليهوديّ على المسيح بالقتل، لأنّهم أدركوا أنّ تعاليمه ومعجزاته ستقضي على حرفيّة ديانتهم. بين ترابيّتهم والحقّ الذي أتى به المسيح اختاروا التراب ونبذوا الحقّ.

يقول التقليد الكنسيّ أنّ لعازر ذهب إلى جزيرة قبرص وبشّر بالمسيح هناك وصار أسقفاً عليها إلى أن رقد بالربّ ودفن فيها. وفي هذا ينظم سليمان أسقف غزّة شعراً:

لعازر جسمٌ بالجزيرة ثاويا        وقبرٌ بأرض القدس أصبح خاليا

يدلّ على أنّ المسيح أقامه           من الموت، إذ وافى من الموت شافيا

فطوبى لميت أقامه الله أسقفاً        على كهنوتٍ بالجزيرة واليا

وقد صدق الشاعر حين قال في القصيدة عينها منتقداً الذين استقبلوا المسيح داخلاً إلى أورشليم، لنفاقهم وعدم صدقهم وتصديقهم بأنّه المخلّص. فالذين استقبلوه منشدين التسابيح بعدم إيمان، هم أنفسهم صرخوا بعد أيام قليلة “فليُصلب، فليُصلب”. وفي هذا أنشد قائلاً:

ويسوع فوق الجحش،              والشعب صارخٌ إليه بتمجيد الإله موافيا

ولم يكُ تمجيد اليهود أمانةً،        ولكنْ لقولٍ قاله الشعب هازيا.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share