الله بعدما كلّم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة كلّمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه..” (عبرانيين 1 : 1 – 2)
وكلام الابن نعرفه بالروح القدس، الذي يعطينا فهم تقليد الكنيسة المكتوب (الكتاب المقدس)، والشفهي ( شهادة حياة الكنيسة)
… نورد فيما يلي أسبوعياً قبساتٍ من تجليات الرب في رعاياه الدمشقية (في أبرشية دمشق)، تعكسها لنا شهاداتٌ وعظاتٌ لآبائنا خدام الكلمة، الكارزين بالقائم من الموت لأجل خلاص العالم
عظة هذا الأسبوع لسيادة الأسقف نقولا بعلبكي
تجليات دمشقية : أحد الفصح المجيد
تأمل
ما هذا المنظر المشاهد يا أخوة؟ ما هذه الساعة الحاضرة؟
ما بال القمر لا يعطي ضوءه؟ ما بال الشمس باهتة محتجبة؟
ما بال النجوم تتساقط منحدرة؟ ما بال قوات السماوات تتزعزع؟
الطبيعة تئن، تتأوه، تتمخض، فالحدث جلل، أمر غريب مدهش يتحقق.
رؤساء الشعوب اجتمعوا معاً على الرب وعلى مسيحه.
فكيف لا تختفي الشمس والقمر، وكيف لا تحتجب من الهلع!
كيف تبقى الأرض ساكنة فلا ترتعد وتضطرب وتتزعزع!
كيف تحافظ الطبيعة على هدوئها وهي ترى مبدعها أمام ناظريها يتوجع!
كلا، إنها لا تستطيع معاينة هذا، وسوف تتحرك وتهتز وتتزلزل.
وحده الإنسان هذا البائس قد امتلأ صلفاً وتجبراً.
وحده الإنسان الناكر الجميل، الجاحد العنيد، القاسي القلب، لا يتأثر.
فماذا يعني صلب المسيح إليه؟ هو في هذه الجريمة صاحب الدور الأكبر.
الصليب عنده ليس بجديد، إنه قديم، منذ لحظة وجوده بدأ الصلب يتجسد.
هو صالب أبيه، من يجهز الصليب، من يدق المسامير، من يضفر من الشوك إكليل.
هو من يركع أمام المصلوب استهزاءً وتهكماً.
الصلب قديم، قدم التاريخ، مذ فكر الله بخلق الإنسان بدأ يصلب.
الرب حنون، خالق رحيم، لا يرفض طلباً لمن خلق.
الإنسان شريك، في مال أبيه له نصيب، هذا ما جعله يتكبر ويتجبر.
إنه رديء شرير أثيم، لا يفي معروفاً، لا يكافؤ من أحبه وأبرأ.
ومع هذا تنازل الإله آخذاً صورة عبد، صائراً في شبه البشر.
قبل بالضعف، والنقص، قبل بالمذلة والإهانة، فداء للذي صنع.
وكعبد محتقر، مرذول لا وجه له، ولا صورة، وضيع متضع إزاء من جبل.
علّم فرُفض، وجّه فلم يٌقبل، شفى فأُنكر، أقام الموتى فأُدين وتعذب.
رافقه الأطفال في دخوله أورشليم سيداً وملكاً صارخين “هو شعنا ومبارك”.
لكن البالغين ذوي الفهم والعقل صفقوا وصرخوا بصوت واحد “فليصلب”.
” اصلبه، اصلبه، دمه علينا وعلى أولادنا ” هكذا الصوت تردد”.
حتى التلاميذ الأخصاء المختارين تشتتوا واختفوا، ولم يبق منهم واحد ليشهد:
واحد أنكر وأقسم، والآخر هرب عريان، والأخير في سبيل المال ليسوع سلمّ.
فأهين وجلد، هزئ به، وضرب ، وفي النهاية على خشبة العذاب عُلّق.
يعانّي آلام العذاب، آلام الجراح والصلب.
والآلام الأقصى وهي آلام النفس من ناكري الجميل، وغير المخلصين.
فهل كنت تنتظر غير هذا، أيها الفادي الحبيب؟
هل توقعت شيئاً آخر أيها السيد المسيح؟
هذا هو الإنسان الذي أحببت.
هذا هو الابن الذي ابتغيت.
ابن عاقّ لا يعرف الشكر على النعم.
ابن شاطرٌ، ثروة أبيه، ابن يشتد فيتكبر.
يفرح بالممنوعات المحرمات، يثق بسرعة بخصوم خالقه، يقف في مصف أعداء أبيه.
الحياة عنده لحظة مسرة، ولو كانت عاقبتها وخيمة.
يسر بالقضاء على أبيه، يسر باضطهاد أخيه.
الدرهم عنده أهم من الجميع، بثلاثين من الفضة يبيع الحبيب.
فيا أيها الإله الرهيب:
يا أيها الحمل الذبيح:
عظيمة محبتك، عظيم تحننك، فأنت كوّنت وصورّت.
نحن نشعر بهذا فنخشع.
لقد أوجدت واعتنيت، ولم تترك جبلتك في الوجود تتخبط.
ومع أنها اختارت مصف العدو بحريتها، أطلعت لها الشمس.
وأعطيتها الأمطار وأسبغت عليها النعم، وبقيت تترأف وتتلطف.
ثم أرسلت ابنك الوحيد منذرّاً، منيراً، مبشراً، وفادياً.
على خشبة الصليب، من أجل أناس غير مستحقين، يرفع ويسحق.
فيا أيها الحمل الذبيح، يا ملك الملوك العظيم!
لقد ارتضيت أن يلبسوك البرفير، وأن يمسكوك الصولجان قصبة.
لقد قبلت أن تستبدل العزّ بأصفاد الحديد، وأن يتوّجوك بالشوك إكليل.
وأن يجلسوك على عرش الصليب، وأن يرفعوك ليراك الجميع.
إننا نسجد لك، لا كسجود أولئك القوم المرائين، المستهزئين.
إننا نقبلك لا كقبلة ذلك التلميذ الغاش الأثيم.
إننا نعترف بك، لا كاعتراف أولئك المتردين غير الواثقين.
إننا نعظمك بسبب تضحيتك وآلامك وموتك وقيامتك.
إننا نشكرك على كل ما فعلت، فإنك قد أكملت وأوفيت وما زلت.
إننا عاجزون عن ردّ جزء يسير مما قدمت.
إننا مدهوشون من العظائم الفائقة الإدراك التي فعلت.
لهذا نحن غير قادرين على التعبير عما يخالجنا إلا بالصمت.
بانتظار ما سينتج عن العظائم التي صَنعت.
فإذا كانت هي المخاض، فالثمار بالطبع بالغة مدهشة.
لهذا نهتف بالفم والقلب وبكامل الكيان والضمير.
نسجد لآلامك أيها المسيح، فأرنا قيامتك المبهجة.