“النور المقدس” في فصح الارثوذكس: نار اشتعلت… من داخل الحجر

mjoa Tuesday May 7, 2013 167

هي الـ”فجأة” التي تسبق الاندهاش. شيء ما يحصل، شيء ما يشعل الشموع تلقائيا، على ما يؤمن كثيرون. “فجأة يُسمَع أزيزٌ، وتنبعث شُهُبٌ زرقاء وبيضاء في كلّ مكان، لتُشعل كلّ آنية الزيت المطفأة. وفي الوقت نفسه، تشتعل الشموع من تلقائها في القبر المقدّس، الشموع الّتي يحملها البطريرك”. وفي شهادة ثانية، “فجأة يشعّ نور مقدّس من القبر، وينبثق بريق ساطع من القبر”، وفي ثالثة “النّار تأتي… كالبرق من السّماء”.

للكنيسة الارثوذكسية، هي “اعجوبة” النور المقدس التي تجعل آلاف المؤمنين يتزاحمون في القبر المقدس في القدس لمعاينتها. وفي التقليد الارثوذكسي، النور المقدس “ينبعث” في القبر كل سنة، وتحديداً في “سبت النور” في عيد الفصح الشرقي الارثوذكسي، في الزمان والمكان نفسيهما، اذ لا يزال النور “يفيض” من القبر في كنيسة القيامة، حيث صلب المسيح ودفن، في ظاهرة متجددة منذ القرن الميلادي الاول.

صباح السبت، يبدأ التحضير “لاستقبال النور”. وتبدأ مراسمه بتفتيش القبر بدقة في العاشرة قبل الظهر، للتأكد من عدم وجود اي مادة او اداة يمكن ان تستخدم لاشعال النار. وبعد ختم السلطات المسؤولة القبر بالشمع الاحمر والعسل، تعمد الجهات المشتركة في المسؤولية عن القبر الى طبع خاتمها الخاص على مزيج الشمع والعسل.

في الثانية عشرة ظهرا، تبدأ الرتبة الدينية الخاصة بفيض النور. ووفق التقليد الارثوذكسي، يدخل بطريرك الروم الارثوذكس الاورشليمي كنيسة القيامة من مدخل داخلي لكنيسة القديس يعقوب، في تطواف يضم المتقدمين في الكهنة والكهنة والشمامسة. وبعد ان يجلس على العرش البطريركي، يبدأ التطواف ثلاث مرات حول القبر. وفي ختامه، يُزال الختم عن القبر، فيما ينزع البطريرك ملابسه الاسقفية ما عدا قميصه الابيض (الاستيخارة).

وبعد تفتيشه امام الجميع للتأكد من انه لا يحمل شيئاً تشعل به النار في الداخل، تطفأ كل الانوار في الكنيسة، ويدخل البطريرك القبر، حاملاً رزمة تضم 33 شمعة غير مضاءة. يركع ويصلي، تالياً طلبات خاصة تلتمس من السيد المسيح ان يرسل نوره المقدس “نعمة تقديس للمؤمنين”. وفي تلك اللحظات تحديداً، يحصل ما يحصل، وتشتعل شموع البطريرك تلقائياً، فـ”يناول” النور المقدس الى المؤمنين، وسط الفرح والدهشة.

في شهادة لاحد اهل البيت، يقول بطريرك اورشليم للروم الارثوذكس ديودوروس الاول (1981-2000): “اركع امام الحجر الذي وضع عليه جسد المسيح الطاهر بتقوى، واواصل الصلاة بخوف وتقوى، وهي صلاة كانت ولا تزال تتلى. وعندئذ، تحصل اعجوبة انبثاق النور المقدس من داخل الحجر. ويكون لونه ازرق، من ثم يتغير الى الوان عدة، وهذا لا يمكن تفسيره في حدود العلم البشري، لان انبثاقه يكون مثل خروج الغيم من البحيرة، ويظهر كأنه غيمة رطبة، لكنه نور مقدس”.

16 عاما “تسلم” البطريرك النور. “ومن اهم صفاته انه لا يحرق. فهو لم يحرق لحيتي. يظهر كعمود منير، ومنه تضاء الشموع التي احملها، كما يضيء بنفسه شموع بعض المؤمنين الاتقياء، والقناديل العالية المنطفئة امام الجميع…”. كذلك، قد يكتسب النور اشكالا منوعة، بحيث قد يكون شِلَلَ نار تمرّ على أكتاف الناس، او طابة نار، او شرارات. “وهو لا يحرق اي جزء من الجسم، اذا وقع عليه”. وهذا يدل، وفقاً للكنيسة، الى “ألوهية المصدر وان له صفات فوق الطبيعة”.

متروبوليت بلاغوفيشنسك (روسيا) المطران دانيال لمس بنفسه النور في لحظة فيضانه: “رأينا على الحجر في قبر المخلّص شعلة لونها أزرق داكن، سموي. أخذناها بين أيدينا واغتسلنا بها. لعدد من الثواني لم تحرقنا، ولكن بعد قليل صارت الشعلة ذات مقوّمات طبيعية، فأضأنا شموعنا. كانت النّار تغطي حجر القبر كله… يجب أن ترى هذا المشهد! لأنّي أنا لو لم أشاهده لكانت لدي بعض الشكوك. لكنني أشهد بنفسي أن النّار كانت متوهجة، وأنّنا ٱغتسلنا بها. لم يكن هناك سوى صخرة ورخام والكلّ كانت تغطيه النّار. لا سخام، ولا شيء من ذلك على الإطلاق… نار مشتعلة، وهذا كلّ شيء”.

من اوائل القرن الرابع، تتوالى شهادات مؤثرة لرجال دين وحجاج وكتاب وبحاثة عن فيض النور. وفي الاعوام الماضية، عمد عديدون الى توثيق لحظة فيضان النور بالصوت والصورة. اما في مقلب المشككين والساخرين، فيُستَخدم تعبير “خدعة” او “بدعة” لوصف “طقس” النور المقدس. ومن اقدم اساليبها، “خيط حديد يطلونه بدهن البلسان ويشعلونه وينتقل من القناديل، فيشعل الكل” (مؤرخون مسلمون من القرون الاولى). ومن احدثها “أنّ البرق في كنيسة القيامة مردّه فلاشات آلات التصوير”، او أن سبب ٱنقداح النّور في فتيل الشموع مردّه الى الفوسفور السّائل”.

وعلى كل من “هذه الخدع”، كانت ردود داحضة من جهات ارثوذكسية، منها ان “الفلاشات وآلات التصوير ما كانت موجودة قبلا، ولا سيما في القرن العاشر او السادس عشر. كذلك، لم يكن الفوسفور الابيض اكتشف قبل 1669. فكيف تُفسَّر اذًا اضاءة الشموع قبل ذلك؟”. 

حتى العلم لم يعط اجابات حاسمة. ففي بحث روسي، حاول رئيس معهد الطاقة الذريّة في موسكو الدكتور أندري فولكوف قياس إشارات بالبث الإذاعي ذات الذبذبات المنخفضة والموجات الطويلة في كنيسة القيامة عام 2008، وقت حلول النور المقدّس. ومما لاحظه أن “العجيبة المطلقة هي الفرق ما بين الإشارات التي تلقّاها يوم حلول النور واليوم الذي سبقه”. وخلص: “إذا سألتموني ما إذا كانت هناك أعجوبة أم لا، أقول لكم لا أعرف”. وقد توصل أحد منافسيه العالِم المتفوق في ميكانيك التدمير يفغيني موروزوف إلى النتائج نفسها. (“انترفاكس” -17 شباط 2009).

لغز؟ النور المقدس “الفائض من فيض النور” يحفظ سره، وللمؤمنين يبقى سرا فصحيا باهرا.

nour.moukaddas

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share