ليس هكذا تكافأ كنيسة “ابو الفقراء” البطريرك غريغوريوس الرابع

mjoa Monday May 13, 2013 85

أطلق أمير الفكر ومفكر الأمراء الحسن بن طلال نداءه لاطلاق المطران بولس اليازجي مطران الروم الارثوذكس والمطران يوحنا ابرهيم مطران السريان الارثوذكس اللذين  اختطفهما مسلحون في حلب. والمخطوفان من كبار رجال الدين المسيحي يدعوان الى السلام على الارض والمحبة بين الناس لتنتشر فيهم المسرة.

وقفز من ذاكرتي ما قرأته يوما نقلاً عن مذكرات المثقف الوطني السوري محمد كرد علي رئيس المجمع العلمي العربي الاول (1920) عن غريغوريوس الرابع حداد بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الارثوذكس إبان مجاعة السفربرلك التي اجتاحت شعوب المنطقة في سنوات الحرب الكونية الاولى (1914 – 1918)، اذ “استنهض البطريرك الهمم لمساعدة الجائعين والبائسين، وفتح ابواب البطريركية في دمشق لاطعام الجياع بصرف النظر عن الدين والمذهب، وحتى الوافدين من بيروت، ورهن البطريرك غريغوريوس حداد أوقاف البطريركية والأديرة كلها للاستدانة، وباع مقتنيات الكنائس وأوانيها الذهبية والفضية التي تحكي تراث البطريركية الروحي. ولما لم يستطع البطريرك الذي اعقبه عام 1928 الوفاء بالديون وفوائدها الفاحشة اضطر الى بيع كل هذه الاوقاف، وبذا خسرت البطريركية الارثوذكسية كل ممتلكاتها، ولكنها ضربت أروع مثل في الاخوة”. هذا ما دونه محمد كرد على في مذكراته.

ومن أخبار البطريرك غريغوريوس حداد في تلك المذكرات انه “كان له صليب ماسي أهداه اياه قيصر روسيا “نقولا الثاني”. ولما نفدت اموال البطريركية رهنه لدى صانع يهودي دمشقي بالف ليرة عثمانية، فلاحظه احد اغنياء المسلمين وفك رهنه واعاده الى البطريرك، فأخذه وباعه من جديد دون ان يدري به احد وحفظ مثيلاً له من زجاج”.

وللبطريرك غريغوريوس مآثر مع الفقراء والمعدمين ويحكى ان متسولاً استعطفه يوما فسأله  احد الاكليريكيين المرافقين للبطريرك: ما طائفتك؟ فنهره البطريرك قائلا: هل تمنع عنه الصدقة اذا كان من طائفة غير طائفتك؟ الا يكفيه ذلاً انه مدّ يده ليستعطي لتذله انت ايضا بسؤالك إياه عن عقيدته؟! ولما قال البطريرك هذا القول اخرج نقوداً من جيبه واعطاها السائل فانصرف هذا مسروراً”.

ويمضي محمد كرد علي، وهو من اكراد السليمانية ومن مواليد دمشق، في سرد اخبار غريغوريوس الرابع حداد بالقول: “قاد هذا البطريرك بين 1916 و1918 الصف المسيحي مع الشريف حسين وابنه الأمير فيصل للتحرر من نير الاتراك، وبايع فيصلا ملكاً على سوريا عام 1920، وبعد استشهاد البطل يوسف العظمة في ميسلون ودخول غورو دمشق كان البطريرك هو الوجيه الوحيد الذي ودع الملك فيصل في محطة القدم، فبكى فيصل لما قال له البطريرك “ان هذه اليد التي بايعتك ستبقى وفية لك الى الأبد”، فحاول فيصل تقبيلها، لكن البطريرك سحب يده وقبل فيصلا في جبينه. يا للروعة الوطنية والانسانية: ملك سوريا وابن شريف مكة وملك العرب الشريف حسين يحاول تقبيل يد البطريرك.

ولما مات البطريرك عام 1928 شيع جثمانه من بيروت الى دمشق، فاستقبلت الحكومة السورية جثمانه على الحدود باطلاق مئة طلقة من المدفعية تحية له، فيما كانت الجماهير تصرخ: “مات ابو الفقير، بطريرك النصارى وامام المسلمين، فيما نزلت بالعرب الكارثة العظمى”! وأرسل الملك فيصل من بغداد الى دمشق مئة فارس على الخيل ليشتركوا في التشييع، كما يروى ان الجثمان عندما وصل الى ساحة الشهداء في بيروت شرع احد التجار المسلمين يرش الملبس على الطريق امام الجثمان قائلا: “ان هذا القديس أعالني انا وعائلتي طيلة الحرب العالمية الاولى”.

كما شارك في الجنازة عدد كبير من شيوخ المسلمين، وقد قيل ان المسلمين ارادوا الصلاة عليه في الجامع الاموي الكبير. كما شارك خمسون ألف مسلم دمشقي في جنازته وأسموه محمد غريغوريوس. غريغوريوس الرابع لقبته الجماهير بـ”ابو الفقراء…”.

والمطران الاسير اليوم بولس اليازجي هو شقيق البطريرك يوحنا العاشر اليازجي خليفة غريغوريوس الرابع”، “ابو الفقراء” من كافة الاديان والمذاهب والقوميات الذي خرج في جنازته المسلمون بعشرات الالوف مع المسيحيين رعاياه، وهو الذي قاد صفوف المسيحيين خلف ملك العرب للتحرر من نير الاتراك وبايع ابنه فيصلاً ملكاً على سوريا وعاهده بالاخلاص له الى الابد. فهل جزاء الاحسان الا الاحسان؟ وهل جزاء كنيسة أنطاكية وسائر المشرق ان يختطف مطران منها؟ ولماذا؟ وسيكون مؤلما ان كان الخاطفون من المسلمين الاصوليين ممن نسوا او تناسوا الدور الوطني الارثوذكسي ايام مجاعة السفربرلك وعبر مسيرة النضال الوطني للخلاص من نير فرنسا مثلما ناضلوا خلف شريف مكة ملك العرب للخلاص من نير الترك. وتنقل الأنباء ان احفاد الترك اصحاب حزب تركيا الفتاة يدعمون المتمردين الخاطفين هؤلاء بالمال والسلاح ويوفرون لهم دعماً لوجستياً وملاذاً. أهي مصادفة ان يختطف المطران اليازجي؟ اذ هو ايضا من أقارب الشاعر الوطني ابرهيم اليازجي الثائر على الترك وعلى محاولاتهم طمس معالم العروبة ووأد القومية العربية في مهدها، وهو يحض العرب على الثورة ضد الترك.

ويكفي المطران الأسير بولس اليازجي الصرخة التي اطلقها حفيد ملك العرب فدوّت في الأرجاء يناشد فيها الخاطفين اطلاقه وزميله المطران يوحنا. هذا هو جزاء الاحسان يعرفه اهله ويحفظونه.

فشكراً للأمير الحسن، وهو الذي ما يقول الاّ الحسن، وما يفعل الاّ الحسن.

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share