الأوطان أخطاء تاريخيّة؟

mjoa Wednesday May 29, 2013 115

يزداد اليقين، يوماً إثر يوم، بأن العصبية المذهبية في بلادنا ما زالت الأقوى من كل أشكال العصبيات الأخرى. هذه العصبية تقضي، حتى على العصبية الدينية التي يمكن أن تجمع كل المنتمين إلى ديانة واحدة باختلاف مذاهبها، كما تقضي على كل القواسم المشتركة التي يلتقي عليها أبناء الديانة الواحدة لصالح الخلاف والفتنة القاتلة.

إذا كانت العصبية الدينية دافعاً لدى البعض للتفريق ما بين مواطني البلد الواحد، فالعصبية المذهبية تستثار في سبيل التفريق ليس بين أبناء الوطن الوحد، بل بين أبناء الديانة الواحدة، وذلك يعني أن العصبية المذهبية، إذا ما أسيء استخدامها، قد تكون سبباً لفتنة مزدوجة.

العصبية، كل عصبية، ليست سيئة إذا كانت في سبيل التضامن والتعاون لخدمة العباد والبلاد، غير أنها، حين تتحوّل تعصّباً أعمى يستبيح التدمير والتهجير والقتل، تصبح شراً مطلقاً وفساداً في الأرض. وما يحدث في ديارنا يؤكّد، من دون ريب، أن العصبية المذهبية التي ينفخ في نارها الكثيرون، قد تجاوزت بأشواط ما يمكن أن يوصَف بالتعصّب الأعمى.

فما نشاهده اليوم هو نتيجة إعلاء الرابطة المذهبية على كل ما عداها من الروابط الدينية أو القومية أو الوطنية. فبعد حوالى القرن على سقوط الدولة العثمانية ونشوء الدول الوطنية، ما زالت العصبية المذهبية والتعصّب المذهبي أقوى من العصبية الوطنية، على الرغم من الكلام المعسول على الرابطة الوطنية والوطن الدائم والنهائي.

وفي هذا السياق، كان جمال الدين الأفغاني (ت 1897) يعتقد أن ما رابطة، ولا حتى حبّ الوطن، يمكن أن تحلّ في قلوب المسلمين محلّ الرابطة التي أنشأها الإسلام. لكننا اليوم، يسعنا القول إن ما من رابطة، ولا حتى الرابطة الإسلامية، يمكنها أن تحلّ محلّ الرابطة المذهبية السنية أو الشيعية.

العصبية، كل عصبية، محمودة وممدوحة حين يكون هدفها الصراع ضدّ عدو مشترك يحتلّ الأرض وينتهك الإنسان. لكن العصبية التي تلغي المواطنة والشراكة الوطنية في سبيل “أمّة” مفترضة لا حدود لها، هذه العصبية لن ينجم عنها سوى المزيد من الشرذمة والشقاق والتخلّف والانحطاط.

الماسكون أمور المسلمين، سنّة وشيعة، من سياسيين وفقهاء، أو معظمهم، باتوا منخرطين في مشاريع تتجاوز قاماتهم المحدودة، وتتعدّى حدود أوطانهم. فعندما يعملون لنقل الحروب والنزاعات الخارجية إلى الداخل عبر تجييش أتباعهم واستنهاضهم ضدّ مواطنيهم من أهل المذهب المخالف لمذهبهم، فهذا دليل الى أن من المسلمين مَن لا يرون في الأوطان سوى أخطاء تاريخية يجب محوها في سبيل إعادة وحدة الأمّة الإسلامية، ليس على أساس إسلامي بل على أساس مذهبي يكفّر فيها أصحاب المذاهب المغايرة للمذهب الحاكم.

أن ينقسم أبناء وطن واحد أو مدينة واحدة أو شارع واحد إلى فئتين مذهبيتين ويقاتلون بعضهم بعضاً دفاعاً أو انتصاراً لحرب دائرة خارج وطنهم، لمجرّد أن تكون هذه الحرب قائمة بين إخوة لهم في الدين أو في المذهب، لا يعني سوى الخراب للدين وللمذاهب معاً، عدا عن كونه سبباً لخراب الإنسان والوطن.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share