بعد استشهاد استفـانوس، وهو أول الشهداء وأول الشمامسة السبعـة، تبدد الرسل أي تـركـوا فلسطين واجتازوا إلى فينيقيـة وبعضها لبنان الحاليّ وإلى قبرس القريبة وأنطاكية وكانت عاصمة سوريا الرومـانيـة، وكانت خطتهم الا يكلّموا الا اليهود، وتبشيرهم أسهل من تبشير الوثنيين، وكان اليهود منتشرين في كل مدن الامبراطورية الرومانية التي كانت منها سوريا.
من هؤلاء اليهود كان قبرسيون وقيـروانيون، وهؤلاء جزء من ليبيا الحالية، وكنت تجد اليهـود في كل أنحاء الامبـراطوريـة الرومانيـة وخارج فلسطين، وكان لا بد ان تخاطب الناس باليـونانية التي كانت لغـة المثـقـفـين في العالم المتمـدن آنذاك، واليهود أنفسهم خارج فلسطين كانوا مضطـرين ان يخـاطبـوا النـاس باليـونـانية.
اللغـة العبـريـة لم تبـقَ لغـةً حيـة، لغـة مخاطبـة منذ قـرون. اليهـود كـانوا يقـرأونها في مجامعهم فقـط وتُنقـل إلى السامعين باليونانية أو بالآرامية حسب المناطـق. لذلك اضطر الرسل والمبشرون المسيحيـون أن يخـاطبـوا النـاس بلغـة الثقـافـة آنذاك أي باليـونـانيـة. ولما دخلت المسيحيـة إلى أنطاكيـة أخـذت تُكـلم اليـونانيين الذين كانوا من أصل وثـنيّ أو يهـوديّ، فآمن بالرب يسـوع كثيـرون. فإذا نظـرنـا إلى كثـافـة المسيحيين العـددية، نرى أن اللغة اليونانية كانت مسيطرة عليهم كالفـرنسية عندنا في عصر الاستعـمار أو الانكليـزيـة اليـوم.
العبرية كان اليهود نسوا التكلم بها بعد جلائهم عن فلسطين إلى بابل. في فلسطين، لما كان السيد على الأرض، لم يكن أحد فيها يتكلم العبرية. كانت لغة قراءة النصوص المقدسة في مجامعهم. السيد نفسه لم يكن يتكلم العبرية ولكن لغة الشعب أي الآرامية المشتقّة منها السريانية. اليوم أهلُنا في معلولا (سوريا) يتكلمون لهجة السيد.
في تلك الأثناء أرسلت كنيسة أورشليم تلميذًا يدعى برنابا إلى أنطاكيا. منها ذهب إلى طرسوس (غير طرطوس) في آسيا الصغرى، وهي مسقط رأس بولس (شاول)، ليطلبه فوجده وذهب به إلى أنطاكية وبشّر معه هذه المدينة سنة كاملة.
في أنطاكية أولاً دُعي التـلاميذ “مسيحيين”. منذ ذلك الحين لازمتهم هذه التسمية وبطلت واقعيا التسميات القديمة (تلاميذ، إخوة).
عندما نقول نحن “مسيحيين أرثوذكسيين”، ومعناها المستقيمي الرأي، نصف أنفسنا بالمسيحيين أي أتبـاع يسـوع. وبقيـة الناس أحرار بتسمية أنفسهم كما يشاؤون. نحن نسمـّي “مسيحيّا” مـن آمـن بأن يسوع ربّ ومخـلّص ومسيـح. ما عـلاقـتنـا بـه مـن حيـث اشتراكه أو عدم اشتراكه بالأسرار المقدسة شيء آخر ويختلف حسب الفئة التي ينتمي إليها.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)