الله بعدما كلّم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة كلّمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه..” (عبرانيين 1 : 1 – 2)
وكلام الابن نعرفه بالروح القدس، الذي يعطينا فهم تقليد الكنيسة المكتوب (الكتاب المقدس)، والشفهي ( شهادة حياة الكنيسة)
… نورد فيما يلي أسبوعياً قبساتٍ من تجليات الرب في رعاياه الدمشقية (في أبرشية دمشق)، تعكسها لنا شهاداتٌ وعظاتٌ لآبائنا خدام الكلمة، الكارزين بالقائم من الموت لأجل خلاص العالم.
عظة هذا الأسبوع لقدس الأرشمندريت د. أرسانيوس دحدل
تجليات دمشقية : أحد السامرية
سأتوقف في إنجيل اليوم عند الحديث الذي دار بين السيد وامرأة سامرية، حديث القلب الإلهي الرحيم، المستعر شوقاً لعودة كل خاطئ.
عبر الرب السيد في طريقه إلى اليهودية، بمدينة للسامرين تدعى سوخار وهناك عند بئر يعقوب جلس وحده بعد أن إنصرف تلاميذه ليبتاعوا طعاما. كان الوقت ظهراً. جاءت إلى البئر امرأة سامرية لتملأ جرتها من الماء.
الرب العارف مكنونات القلوب أراد أن يصطاد قلب تلك المرأة الخاطئة بسهم محبته، لذا بدء هو الحديث، بادر هو الطاهر القدوس، نحو الخاطئة، سألها ماء ليشرب، فاستغربت المرأة السامرية من طلبه وأجابت: كيف تطلب أنت اليهودي من سامرية ماء لتشرب؟! قالت هذا لأنَّ اليهود كانوا يكرهون السامريين ولا يخالطونهم ويعتبرونهم خطأة.
الرب يسوع سمعها بصوتها المحقون بالتعجب والغضب على اليهود. فأراد أن ينقل الحديث إلى مستوى روحي. أراد أن يشفي النفس الجريحة والمأسورة بالخطيئة، فقال: ” لو عرفت عطية الله ومن الذي قال لك أعطيني لأشرب، لطلبت أنت منه فأعطاك ماء حيا.” فأجابت المرأة بتعجب وسخرية أن كيف لك أن تسقيني وليس معك ما تستقي به والبئر عميقة؟؟ ألعلك أنت أعظم من أبينا يعقوب؟ بالرغم من كلامها الساخر رمقها الرب المتحنن بظرة حنان ولم ينفر منها بسبب أقوالها لكنه إذا أراد خلاصها عاد فقال لها” كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضا وأما من يشرب من الماء الذي أعطيه له فلن يعطش إلى الأبد، بل الماء الذي أعطيه له يصير فيه ينبوع ماء ينبع الى حياة ابدية.” السامرية بعد هذا الكلام تابعت باستهزاء ” يا سيد أعطني هذا الماء لكي لا أعطش ولا أجيء إلى ههنا لأستقي.”
كانت الخطيئة قد أعمت قلبها عن معرفة الرب يسوع، لكن المحب البشر أراد أن يوقظها من غفوة الخطيئة فقال لها: ” اذهبي وادعي رجلك وهلمي إلى ههنا” فأجابته أنه لا رجل لها، عند ذاك كشف لها الرب يسوع ذاته أنه هو الله العارف كل شيء فقال: ” أحسنت بقولك إنه لا رجل لي، فإنه كان لك خمسة رجال والذي معك الآن ليس رجلك”. السامرية صُعقت، طريقة حديثها تغيرت، أستفاق فيها الشوق للتعرف أكثر على هذا النبي الذي عرف ماضيها والذي ما برح يخاطبها بحنان رغم قساوة حديثها، ففتحت قلبها وأخرجت ما عندها وأرتقى حديثها إلى مستوى روحي جديد فسألته، عن قول اليهود بوجوب السجود في اورشاليم. فأجابها السيد بأن السجود ليس سجود مكان وموضع هو سجود القلب الذي يتم بانسحاق وتوبة، سجودٌ بالروح والحق، وكشف لها أنه هو المسيا المنتظر، فعرفت أنها أمام علاّم القلوب، أمام الإله الرحيم فامتلأت فرحا وتحولت من خاطئة إلى رسولة مبشرة بالرب يسوع في وطنها.
أيها الأحباء كم من مرة يقف المسيح عند بئر الخطيئة الذي نركض لنرتشف منه؟ كم من مرة يخاطبنا، لا تشرب ولا تتذوق الخطيئة لأنك لن ترتوي؟ لا تشرب لأن المسيح وحده يعطيك أن ترتوي من ينابيع الخلاص، يسقيك ماء حياً يؤول بك إلى حياة أبدية فلا تعطش أبدا. كم من مرة يقول لك: إسعى ليكون قدس أقداسك هو قلبك حيث هناك تسجد لله الخالق بالروح والحق، تسجد له بقلب منسحق، فتلتقي بالإله المتواضع الذي يحول انسحاقك هذا إلى لذة إلهية سماوية بحضوره بحياتك، فيمتلئ قلبك فرحا وتهلل شفتاك بالنعم والشكران وعند ذاك فقط تصبح رسولا تنقل بشرى الخلاص لكل إنسان. فلا تعود تتكلم عن نظريات وإنما عن عيش للنعم تتذوقها كل لحظة بقرب الذبيح من أجلك.