حوّل الرّاهب الكاهن ”غابريـال بنج“ وهو لاهوتي كاثوليكيّ مشهور إلى الأرثوذكسية في 27 آب 2011 عن عمر سبعين سنة بعد سنوات عديدة من النسك في جبال سويسرا، وهو الآن يقطن ما بين دير فالامو في روسيا ومنسكه في سويسرا.
عندما كان شابًا أكمل علومه في جامعة ”بون“ حيث درس الفلسفة والمقارنة اللاهوتية. بعد ذلك بقليل زار اليونان وهناك أمضى شهرين في جزيرة لسبوس وتعرّف على شيخٍ راهبٍ أرثوذكسي ترك في نفسه أثرًا عميقًا. كان بالنّسبة له تجسيد ماهية الرّهبنة الّتي لم يعرفها إلا في الكتب. بقي على اتصالٍ بهذا الشيخ طيلة حياته فأرشده في مسيرته الرّهبانيّة.
عندما عاد إلى ألمانيا إلتحق غابريـال بالرّهبنة البيندكتية الّتي كانت باعتقاده الأقرب إلى التقليد الشرقي للرّهبنة. هذه الرّهبنة قائمة على تقليد رهباني قديم وليس على تراتبيّة إدارية معيّنة. رأى رئيس الدّير شوق غابريـال للنمط الشرقي فأرسله عن تمييز إلى دير صغير في بلجيكا حيث أمضى 18 عامًا ومن هناك إلى منسكٍ صغير في سويسرا. كلّ هذه التنقلات كان سببها توقه إلى الحياة الرّهبانية الأصيلة الّتي كانت في زمن المسيحية الاولى.
وقد سئل ذات مرة لماذا اعتنق الأرثوذكسية، ألم يكن يستطيع أن يبقى في الكثلكة مع محبّة خاصة للأرثوذكسية؟ فأجاب أنّ العديد من الناس في الغرب يفعلون ذلك وهم قد اقتبسوا الكثير من التقليد الشرقي: مثال ذلك هناك معاهد في إيطاليا تعلّم كتابة الإيقونات البيزنطية والكنائس هناك تتزيّن بهذه الأيقونات، بالإضافة إلى الترتيل البيزنطي الّذي يستهوي العديدن… خلاصة ذلك، أنّ الغرب لم يفقد كليًّا الأصالة المسيحية الّتي حافظت عليها الكنيسة في الشرق. ولكن يبقى الإهتمام على الصّعيد الثقافي… ولكن على الصّعيد الرّوحي الأمور مختلفة، كثيرًا ما يعتبر النّاس في الغرب أشخاصًا مثلي لديهم هذا التوق وهذا الاهتمام بالحياة الرّوحية كغريبي الأطوار.
كلاهوتي بحث غابريـال موضوع الإنفصال بين الشرق والغرب. كان يأمل في شبابه أن تتمّ الوحدة وقد رأى بعض البوادر الخيّرة في عدد من الإجتماعات واللقاءات بين الأساقفة. لكنّه لمّا شاخ وبانت لناظريه حقيقة الامور، لم يعد يؤمن أنّ الوحدة ممكنة في ما خصّ الخدم الإلهية والمؤسسة الواحدة. لذلك بحث عن توحيد كيانه فلم يكن يستطع أن يفعل أي شيء سوى أن يتبع ضميره لذلك اعتنق الأرثوذكسية.
لقد أدرك أنّ الغرب هو الّذي انفصل عن الشرق. رغم صعوبة تقبّله الفكرة إلا أنّ الوقائع قادته إلى ذلك. من الإصلاح الغريغوري، إلى الإنشقاق في القرن 11، ثم إصلاحات القرن 15 وبالنّهاية المجمع الفاتيكاني الثاني في القرن 20.انه الواقع المجرد ولكنها الحقيقة.
وما يؤسف الأب غابريـال أنّهم في الغرب يعتبرون أنّ كلّ ما هو قبل هذه الإصلاحات ليس له أساس من الوجود. يقول أنّه إذا رأى شخصًا كاثوليكيًا في كنيسة أرثوذكسية فهو يحبّ أن يتقدّم منه بلطف ولكن بثقة ويقول له:”ربّما يهمّك يا أخي أن تعرف أنّنا كنا كلنّا نرسم إشارة الصّليب من اليمين إلى اليسار. ولكن كلّ شيء تغيّر الآن… لا لست أدفعك إلى أن تصير أرثوذكسيًا ولكن أريدك ان تعلم اصول الأمور“.
لقد التحق الرّاهب الكاهن غابريـال بانج بالكنيسة الرّوسية بمعونة معارفه المنتمين الى الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا. ولقد اختار دير فالامو لأنّه باعتقاده لا مناسك في الغرب كالتي في روسيا. رغم أنّ زوّارالدير كثر لكنّ نمط الرّهبنة الأرثوذكسية يسمح لكلّ راهب أن يبلغ إلى التوحد ضمن حياة الشركة بالذات. هذا النمط لم يعد موجودًا في أوروبا. انتفى التقليد الرّهباني الأصيل من أوروبا تقريبًا مع حلول الثورة البرجوازية في فرنسا عام 1789.
ما زال الأب غابريـال يرشد أولاده الرّوحيين الّذين هم بمعظمهم من الكاثوليك.
من أقواله:”إذا كنت قادرًا على السجود رافعًا يديك وعينيك إلى فوق مع توبة حقيقية، عندها سوف تُكشف لك أمور كثيرة“.