الله بعدما كلّم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة كلّمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه..” (عبرانيين 1 : 1 – 2)
وكلام الابن نعرفه بالروح القدس، الذي يعطينا فهم تقليد الكنيسة المكتوب (الكتاب المقدس)، والشفهي ( شهادة حياة الكنيسة)
… نورد فيما يلي أسبوعياً قبساتٍ من تجليات الرب في رعاياه الدمشقية (في أبرشية دمشق)، تعكسها لنا شهاداتٌ وعظاتٌ لآبائنا خدام الكلمة، الكارزين بالقائم من الموت لأجل خلاص العالم
عظة هذا الأسبوع لحضرة الأب الشماس يعقوب عساف
التجربة والنمو الروحي
نصادف في النص الإنجيلي الذي نقرأه اليوم، سؤالاً هاماً، يضع الإنسان على المحك الروحي، فالتلاميذ يسألون الرب يسوع:” من أخطأ، أهذا أم أبواه، حتى ولد أعمى؟”، أما يسوع فيُجيب: “لا هذا، ولا أبواه، لكن لتظهر أعمال الله فيه”( يوحنا 9: 2-3).
سؤال التلاميذ، منطلقه النظرة القديمة للشعوب، التي تربط بين الخطيئة والمعاناة، حيث كان الاعتقاد أن المعاناة تقتصر على الأشرار، أما الأخيار فالله إلى جانبهم دوماً فهم لا يُعانون، لكن الرب يسوع كالعادة يُفاجئ سامعيه، ويخلق صدمة فكريه لديهم، فهنا يضرب بعرض الحائط النظرية القديمة فيقول لنا:” أن المعاناة ليست دائماً نتيجة لأخطاء نرتكبها، ولا يجوز لنا، في كل مرة تداهمنا مشاكل في حياتنا، أن نعتقد أنها نتيجة لأخطاء قد نقترفها، هذا لا يعني أن لا نتفحص ذواتنا، يومياً، ونراقب مسيرةَ حياتنا بدقة، فربما تكون البعض من معاناتنا بسبب خطايا نقترفها، ولكن أيضاً نصادف أسباباً أخرى للمعاناة، وقد يكون منها صلاحنا، الذي علينا أن نعيه، دون أن نقع بفخ الكبرياء، فاليوم يا أحباء نرى غالبيةَ البشر يعانون، الصالحين منهم، وغير الصالحين، فأن نتوقع المتاعبَ أمرٌ إيجابي، لأنه يجعلنا غير متزعزعين في إيماننا.
ولكن هل من فائدة أو منفعة من المتاعب والمعاناة؟
نعم أيها الأحباء الآلام والصعوبات والمتاعب تنتج لحياتنا فوائدَ عمليه كثيرة، أهمها أنها تزيدنا تمسكاَ بالله، مصدر الراحة والانتعاش، وتقوي علاقتنا به، فكما يُمتحن الذهب بالنار، هكذا يُمتحن إيماننا بمختلف التجارب (رسالة بطرس الأولى 1: 6-7)، لذلك أيها الأحباء، الإنسان البار والمؤمن تكون المعاناة لديه من دواعي فرحه، لأن هذا سيؤدي به إلى الصبر، ومن ثم إلى الكمال، ولنا في هذا مثال الرياضة البدنية، حيث اقوى العظام والعضلات هي تلك التي تواجه أكبر جهد. لهذا ما يُحدد الفائدة من التجارب هو كيفية تعاملنا مع هذه المحن والصعوبات، فإما أن ننظر لها بعين اليأس وعدم الرجاء، فتزداد صعوبتها، أو أن ننظر لها بالنظارة الإلهية حيث الأمل والرجاء، فنتخطاها بكل فرح وسرور، مع شكر وامتنان.
وهنا كثيرون سيسألون: ما الضمانة أننا سنكون قادرين على تحمل متاعب ومحن بهذا المقدار، ربما لا نصمد، وننجر وراء الخطيئة؟
في الواقع الضمانة أيها الأحباء هي جواب الرب يسوع للتلاميذ ( لتظهر أعمال الله فيه)، لنتذكر أن كل المشاكل والمصائب التي تُحيط بنا، ما هي إلا لتظهر فينا أعمال الله.
وما هي أعمال الله هذه؟ هنا بيت القصيد.
أعمال الله في الحقيقة هي تقوانا، وازديادنا اليومي من هذه التقوى، التي ستشع كنور ساطع في وسط الظلام القاتم، هكذا تؤدي المحن والتجارب إلى تغيير الإنسان نحو الأفضل، إلى تقدمه في الصلاح، مردداً:” أستطيعُ كلَّ شيء بالمسيح الذي يقويني”(فيلبي 4: 13)، على مثال ذاك الأعمى الذي احتمل التجربة بصبر، حيث نُظر إليه من الآخرين على أنه خاطئ، لكن الرب يسوع رأه على غير ذلك، فتبناه وأغدق عليه من نعمة الإيمان أكثر وأكثر، فكانت النتيجة أن شعر الأعمى بكل هذه العطايا، فانسحق وسجد ليسوع.
إذا أيها الأحباء، نحن المسيحيين لسنا بمعزل عن الآلام البشرية، أو متاعبها ومصاعبها، لكننا مختلفون، كمؤمنين، بامتلاكنا القدرة على الاحتمال بصبر، الأمر الذي يضمن لنا الحياة الأبدية، بخروجنا من ظلاميه هذه الحياة، إلى النور الإلهي، على مثال الأعمى الذي كان في ظلمة، فشُفي وعاين النور المادي، وأبصر النور الإلهي فسجد له.
فمعه نسبح أبا الأنوار، مصدر كل عطية صالحة وكل موهبة كاملة…أمين