احتفلت جامعة البلمند اليوم، بمرور 25 سنة على تأسيسها واعلن رئيسها الدكتور إيلي سالم “جهوزية الجامعة، وقدرتها على الوقوف على ميمنة صاحب الغبطة، فالجامعة، عميقة الإيمان، ملتزمة العقل مطية لاكتشاف الموجودات، حرة في منهجية تحري الحقائق، عملية في ترجمة المعرفة إلى وسائل وأدوات ترفع من مكانة الإنسان وتقوي دعائم المواطنة والأوطان”.
وأكد أن “جامعة البلمند – الصرح الذي تركه إغناطيوس الرابع وصيته ليوحنا العاشر – تفخر أن تعمل مع غبطته وإلى جانبه باعتزاز وتفان، وعبر عن فخره بأن يقدم لأبناء البلمند أبا روحيا، مرشدا، قائدا لمسيرة العلم والتطور والإبداع”.
واشار سالم إلى أن “يوحنا العاشر انتخب في هذه اللحظة المفصلية، حيث كل شيء من حوله خاضع للتحولات والتقلبات. انتخب في وقت الأزمات التي تتمزق فيها سورية، وتتقهقر المسيحية في المنطقة، والأرثوذكسية مهددة في المشرق. أما لبنان، فهو على حافة الإنهيار، والمشرق العربي مشتعل طائفيا، ومنهمك بصغائر الأمور وراء متاريس من رعب ونار”.
أضاف: “انتخب يوحنا العاشر والأرثوذكسية في محنة والإسلام في محنة، والأجواء الوحدوية الليبرالية المنفتحة التي كان الأرثوذكسيون من روادها في عهد النهضة، قد تعثرت. فلا الأرثوذكسية العالمية متينة مستقرة تلوذ بك يا صاحب الغبطة، ولا الأرثوذكسية المشرقية الإقليمية في أحسن أوضاعها، ولا الإسلام مرتاح مع نفسه ليسند الأرثوذكسية في الصعاب التي تواجه. ولا الأرثوذكسية مرتاحة كفاية مع نفسها لتدعم المسلمين في هذا الانشقاق الخطير الذي يهددهم”.
وتابع: “في هذه الأجواء الملبدة، حيث العنف يهددنا جميعا من كل صوب، وقد طالكم هذا العنف شخصيا يا صاحب الغبطة، وطالنا كذلك في الصميم بخطف صديقنا وحبيبنا، وعميد كليتنا الأولى، شقيقكم سيادة متروبوليت حلب وتوابعها بولس مع رفيقه المطران يوحنا ابراهيم. أدعو من الله أن يعودوا سالمين إلى أبرشيتهما”.
وختم مرحبا باليازجي قائلا: “صحيح أنك انتخبت في هذه الظروف الصعبة، ولكن الأصح أيضا أنك انتخبت لهذه الظروف الصعبة”.
يازجي
والقى البطريرك يازجي كلمة، جاء فيها: “بعد شكري الله الذي سمح بأن يقوم هذا الصرح ببركة يمينه المقدسة، لا يسعني في مطلع كلامي لكم اليوم إلا أن أذكر المثلث الرحمات البطريرك إغناطيوس الرابع مؤسس الجامعة، والذي رعاها بعنايته الدؤوب حتى أصبحت على ما هي عليه. واسمحوا لي هنا بلفتة شخصية. فأنا تلميذ هذا الأب الكبير مذ كنت طالبا في اللاذقية التي كان هو متروبوليتها. وبرعايته الأبوية تكرست للخدمة في الكنيسة، وتسلمت منه بعدها عددا من المسؤوليات في البلمند وغيرها. وبناء على انتخاب المجمع المقدس وبركته كبطريرك صرت متروبوليتا على أوروبا. وطيلة هذه الأيام اختبرت لديه الحكمة، وأهمية الصبر واعتبار التنوع مصدر قوة والاختلاف فرصة للتقدم. قلائل هم الرجال الذين يتركون الأثر الذي تركه هذا البطريرك الكبير، وكلي أمل بأننا سنتمكن قريبا من تسليط الضوء على إرث هذا السلف كذخر إنساني لا يخص أنطاكية فحسب، بل أيضا المسيحية العالمية والعلاقات بين الأديان والشعوب. كما أود أن أذكر أول رئيس للجامعة الدكتور جورج طعمة الذي تسلم مسؤوليته في ظروف صعبة جدا، وأخص بالذكر الأستاذ غسان تويني الذي ساهم، طيلة ثلاث سنوات كرئيس للجامعة، في وضع الأسس التي قامت عليها المؤسسة لاحقا، واكتسبت بسببها ثقة محيطها والأوساط الجامعية المحلية والعالمية. وفي مناسبة ذكرى التأسيس الخامسة والعشرين، لا يسعني إلا أن أحيي جهود رئيس الجامعة الدكتور إيلي سالم الذي يتولى هذه المهام منذ عشرين سنة ونيف، وجهود كل العاملين في كليات الجامعة وإدارتها، لأن تضافر هذه الجهود هو الذي أدى إلى ما نحن عليه من نجاحات، آمل أن تزداد وتنمو”.
وقال: “أخاطبكم الآن من على هذه التلة البلمندية التي يغسل البحر اللامتناهي قدميها ويحرسها أرز لبنان الذي تغنى به الأنبياء والذي أصبح رمزا لثبات لبنان وقوته واستمراره على مر العصور. فأحييكم من هذه النسمات الطيبة، من صوت أجراس قبة البلمند التي تعانق السماء، من بخور كنيسة الدير الجميل، من هدوء الطبيعة الخضراء، من نسيم تراتيل جوقة معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي ومن قلب جامعة البلمند الشامخة”، مشيرا الى ان “جامعة البلمند هي إحدى المؤسسات البارزة التي أنشأتها الكنيسة الأنطاكية، وعندنا في أرجاء كرسيينا الرسولي وطنا وانتشارا، العديد من المؤسسات التربوية والصحية والاجتماعية. ولا بد لنا من أن نسأل أنفسنا من حين إلى آخر لماذا تنشئ الكنيسة المؤسسات، حتى نتأكد من أن قيام هذه المؤسسات يتناغم ومفهومنا لحضور الكنيسة في محيطها”، مسترجعا “تراثنا المشرقي الذي انطلق مع القديس باسيليوس الكبير وكتب عنه طويلا القديس يوحنا الذهبي الفم، الذي يجعل من خدمة العالم واجبا كنسيا. فالصلاة عندنا تمتد إلى ما هو أبعد من المذبح وأوسع من جدار بيوت العبادة. يتكلم القديس يعقوب، منذ نشأة المسيحية عن مذبح القريب، ولهذا الغرض نحن ننشئ المؤسسات. لا يهمنا بالواقع من المؤسسة إلا القدر الذي تعكس به الشهادة لخصوصية الكنيسة. فمؤسساتنا ليست نسخة طبق الأصل عن المؤسسات الأخرى حتى لو التزمت بمعايير الجودة التي يتطلبها منها نوع الخدمة التي تقدمها. هي مطالبة بأن تلتزم بمعيار آخر، يرتبط بكونها مؤسسات كنسية، أعني معيار المحبة. والمحبة ليست فكرة انما هي عمل وترجمة في نطاق المحسوس. هي صلاة بالعمل، كما أن التسبيح هو صلاة بالذهن والقول”.
اضاف: “لذلك، نحن في الكنيسة نعكس الأهداف. ليست المؤسسة هدفا بل سبيلا، وليس الإنسان رقما بل غاية. الإنسان هو هدف وجود كل مؤسساتنا، وأنا أحمل هذه الكلمة زخما خاصا يختلف عن المضمون المستخدم بشكل عام. فالإنسان الذي نخدم هو الإنسان الذي مات المسيح من أجله على الصليب ووحد نفسه به. الإنسان عندنا كل لا يتجزأ. لذلك نحن لا نخدم المريض فقط ليتعافى من وعكة صحية، ولا نخدم الطالب فقط ليأخذ شهادة، ولا نخدم الفقير فقط ليسد جوعه. نحن نخدم هؤلاء بالتوجه نحو صورة الله الكامنة فيهم حتى ينموا جميعا بقدر محبة الله لهم. إن لم تكن مؤسساتنا خادمة لهذه الرؤية، فلا ضرورة لوجودها. وهذا محك لجديتنا في التعاطي مع الشأن المؤسساتي. لكننا نعي أيضا أننا نعيش في عالم له مستلزمات عملية لا يسعنا أن نتغاضى عنها، كما نعي أننا نعمل ضمن أطر تحتم علينا الأخذ بالحسبان واقع الحضور المجتمعي الذي نحن مدعوون إليه. لذلك أود أن أعرج وإياكم على بعض الأوضاع الراهنة وانعكاساتها على مؤسساتنا بشكل عام، وعلى الجامعة بشكل خاص”.
وتابع: “كلنا يعلم أن جامعة البلمند تأسست في ظروف خاصة جدا، وأن إنشاءها من قبل كنيستنا كان تحديا كبيرا للظروف السياسية القائمة آنذاك، وأنها جاءت بمثابة إعلان عن إرادة الحياة، وعن الأمل بالمستقبل، وعن التشبث بالقيم الإنسانية التي ندافع عنها. وبالفعل ساهمت الجامعة بشكل مميز في تنمية العلاقة مع محيطها من خلال نشاطاتها العلمية، والثقافية، والبحثية. وقد سجل لها مجتمعها الريادة في اطلاق عدد من البرامج الهادفة لخدمة بيئتها، وفي طرح بعض الاشكالات التي ترتبط بمستقبل الوطن والمنطقة. لكن، وبعد خمس وعشرين سنة، لا نزال نواجه تحديات متنوعة تضعنا أمام مستجدات هامة. أول هذه التحديات هو التطور الحاصل في العالم على الصعيد الحضاري. اختصرت تقانات الاتصال المسافات والزمن، فتبدل مفهوم الجغرافيا لأن العالم الافتراضي خلق مضامين ذهنية جديدة من حيث الحدود والطاقة على التواصل. كما تبدل التعامل مع الزمن وكأن وحدة القياس قد اختصرت فتسارعت الأحداث وفق سرعة الموجات الكهربائية التي تنقل المعلومات. ينعكس ذلك بشكل مباشر على رؤيتنا لماهية التأهيل الجامعي لأن لخريجنا اليوم الطاقة كي يحلم أن يعمل في أي مكان من العالم، متفاعلا مع متطلباته ومتخطيا المجتمع الذي كان في الأساس محيطه الطبيعي. زد على ذلك، أن هذا التبدل الحضاري، أثر بشكل مباشر على البيئة المحلية، فإذا بنا اليوم نواجه تحديات ثقافية جمة بسبب غزو المرئي والمسموع لخصوصيات بيوتنا ومجتمعاتنا. شبابنا اليوم على احتكاك بموروث ثقافي محلي لكن أيضا بثقافات أخرى تعبر عن نفسها بطرق لا تنقل بالضرورة كل الحقيقة، بل تعطي صورة مجتزأة عنها. نحن لسنا بمعرض إعطاء رأي قيمي في هذا الموضوع، بل نلفت النظر كي نعي أن لهذا المعطى الجديد انعكاسا على طريقة تعاطينا مع شبابنا، وعلى تأهيلهم للتعامل مع هذا الكم الهائل من المعلومات بشكل إيجابي، ونقدي، على حد قول الرسول “امتحنوا كل شيء، وتمسكوا بالأحسن”.
واردف: “الأمر الآخر الذي لا يقل أهمية عما سبق هو التحديات السياسية التي تواجهنا اليوم في العالم وفي منطقتنا بالذات. السياسة، في الأصل، هي حسن قيادة الشعوب. تنوعت في التاريخ طرق التعامل مع هذا المفهوم، وعرف القرنان الماضيان تطورا كبيرا في النظرة الفلسفية للسياسة كأنظومة تدبيرية للمجتمعات، كما عرفا ظهور عدد من الشرعات التي تنظم الحقوق على الصعيد الدولي، دون أن تربطها بالضرورة بواجبات محددة المعالم. لكننا اليوم نشهد خلطا بين المفاهيم السياسية وما تستلزمه من خلقيات وقيم مجتمعية، والمعطى الديني القائم على الإيمان والأبعاد الروحية. من نتائج هذا الخلط احتقانٌ في الخطاب السياسي الذي يمتطي الدين وسيلة، ويشرذم الشعوب، ويلغي مفهوم المواطنة. فباتت الجامعة اليوم، بحاجة لتبشر طلابها بمضامين بديهية كانت المجتمعات قد تخطتها منذ زمن بعيد. وددت أن ألفت إلى هذه التحديات لأنني أشعر وكأننا نعيش في زمن تسطيح للأمور وكأنما السرعة التي آلت إليها التقانة اليوم هي مرادفة للسهولة، وأن العولمة هي مرادفة لاعتماد وحدة في الأنماط، وأن كم المعلومات المتوافرة يلغي الخصوصيات. في هذا المناخ الجامعي، لا بد لي من أن أنبه من خطر هذا التسطيح الذي يلغي عند ناشئتنا الرغبة في التفتيش عن هوية يستقونها من إرث ثقافي محلي، متفاعل إيجابيا مع تطور حضاري لم يعرفه التاريخ من قبل. التسلح بفكر نقدي ثاقب مطلوب اليوم أكثر من أي يوم مضى، لكي يستطيع شبابنا أن يشق طريقه نحو المستقبل بروح تتمتع بطاقة الاستقلالية من جهة، وبالقدرة على التواصل من جهة أخرى. يأتي هنا دور الجامعة المميز، ودور جامعتنا بالذات”.
وتابع: “قلت في مطلع كلمتي إن للمؤسسة الأرثوذكسية خصوصيات، وأن أولى هذه الخصوصيات هي الاهتمام بالإنسان كمسؤول عن نفسه من جهة، وكمسؤول عن مجتمعه من جهة ثانية. كيف نترجم اليوم في الجامعة هذا الكلام، انطلاقا من إرثنا المشرقي؟ قد يكون همنا الأول تنشئة أبنائنا في الجامعة على الحرية المسؤولة. أن ينعم شبابنا بجو من الحرية يفتق طاقاتهم ويسمح بتوظيفها، أمر ضروري للغاية. لكن علينا أن ننتقل من مستوى التمني إلى مستوى الفعل، فينعكس هذا التوجه في المنهجية التربوية التي نتبناها في التعامل العلمي مع طلابنا. تخطى العالم المتطور اليوم مرحلة تلقين المعلومة إلى مرحلة اقتناء المعرفة الذي يأتي كنتيجة مجهود شخصي تؤمن الجامعة ظروفه الفضلى، ناهيك عن إمكانية التعبير عن الطاقات الفردية التي لا تختصر بالتحصيل العلمي. لكن، وحتى لا يساء استعمال الحرية، على الجامعة أيضا أن تخلق أطر مراقبة ومحاسبة، في جو مفعم بالمحبة، ليكون تحمل المسؤولية جزءا من العملية التأهيلية. يحتم علينا تراثنا المسيحي المشرقي أن نعتمد مقاربة مغايرة للمقاربة الغربية التي تقوم على الفردية، إذ أن مسؤولية الجامعة هي في أن تبني شخصيات عارفة، تؤمن بالتواصل والانفتاح، وتسحسن استعمال الحرية بمسؤولية”.
اضاف: “يرتبط هذا الكلام عن بناء الشخصيات بدور العلوم الإنسانية في التأهيل الجامعي، وذلك في كل الاختصاصات العلمية، والنظرية، والتطبيقية. تنطلق مهمتنا كجامعة من الهواجس الكنسية حول الإنسان. لذلك علينا أن نذكر، بأن العلوم لا تختصر الوجود، وأن للانسان دورا تجاه العالم المحيط به ينعكس في مدى وعيه لخلقيات التعامل مع الإنسان الآخر من جهة، ومع الطبيعة من جهة أخرى. المنحى الذي ابتدأ مع القرن التاسع عشر، والذي قال بالعلموية، أدى إلى ما نحن عليه من تقهقر في مسؤوليات المجتمعات بعضها عن بعض، وفي مسؤوليات كل مجتمع عن محيطه الطبيعي. فازداد الفقر، وازدادت الفروقات الاجتماعية، وازداد قهر الطبيعة واستنزاف مواردها. إن لم نعط الطلاب، على تنوع اختصاصاتهم، القدرة على وعي هذه الأمور من خلال مواد في الإنسانيات، نكون قد قصرنا في تحضير جيل مستقبلي يحضر لإنسانية أفضل. الإنسان كاهن الكون، وعلينا واجب العمل لجعله قادرا على القيام بمسؤوليته هذه تجاه خالقه. يعني هذا الأمر طبعا، أننا لا نبني مناهجنا بالاكتفاء بنقل محتوياتها عن مناهج أخرى في العالم. تترجم الجامعة ما جاء في شرعتها بهذا الخصوص بتبني مناهج موجهة نحو النمو المجتمعي لأنها عامل تغيير وارتقاء في محيطها البشري. لا يتناقض ذلك مع اعتماد حد أدنى من المعطيات العلمية التي تتماشى ومتطلبات كافة الاختصاصات، لكن لا بد من التفتيش عن طعم خاص بنا يزيد من قدرات طلابنا في التجاوب مع مقتضيات مجتمعية محلية. نحن كنيسة محلية، وبهذا المعنى، نحن نحمل في ضميرنا هم مجتمعنا لأنه محط شهادتنا للتجسد الذي هو في صلب إيماننا”.
واشار الى ان “جامعة البلمند مدعوة أن تستمر في الخط الخدماتي الذي انطلق مع تأسيسها، فيلمس محيطها مدى الاهتمام الذي تعطيه لبلورة الحلول التي تؤدي إلى تحسين مستوى العيش فيه. الجامعة، من خلال طاقم أساتذتها وباحثيها، وبالاستناد إلى الروحية التي تميزها، خميرة ارتقاء مجتمعي ليس فقط في مجال التقانات والعلوم، بل أيضا في مجال النظرة إلى الإنسان، وإلى حياة المجتمع، وإلى دورهما في صياغة حضارة المستقبل. ليست هذه الدعوة إجرائية أو ظرفية وحسب إنما هي أيضا دعوة كيانية لنا كمؤسسة. هذا من حيث سياسة الجامعة العامة. أما سؤالي التالي أيها الأحباء فهو عن الجامعة كوحدة حياة. في خضم ما يحيط بنا من تحديات، كيف نعيش خصوصية تنبع من إيماننا؟ فنحن مسؤولون عن جعل هذه المؤسسة مختبرا لعقد اجتماعي ننادي به انطلاقا من شهادتنا في العالم. في مجتمع تقوى فيه العصبيات والميل للتكفير، نحن مدعوون إلى جعل الجامعة أرضا نموذجية للانفتاح، وقبول الآخر، والفرح بالتنوع. في مجتمع تطغى فيه لغة العنف على لغة المحبة، نحن مدعوون إلى جعل الجامعة بيئة رافضة للترهيب الفكري والجسدي، وذلك لأن “المحبة لا تسقط أبدا” كما قال الرسول بولس. في مجتمع تحل فيه القوة الاقتصادية محل كل مبادئ الحق، نحن مدعوون أن نعيش في الجامعة رفضنا لمنطق القوة مهما كان نوعها، ونجعل من هذا الرفض عنوانا لخصوصيتنا. نحن مدعوون أن نسلك بموجب هذا “الرجاء الذي فينا” والقائم على أن ربنا غلب الموت من أجلنا، فنجعل من هذا السلوك داخل الجامعة شهادة الجامعة تجاه طلابها أولا وتجاه مجتمعها ثانيا.
وصاحب الغبطة المثلث الرحمات البطريرك إغناطيوس الرابع قام بتأسيس هذه الجامعة في ظروف صعبة، ونحن نشهد اليوم كيف تم تخطي هذه الصعوبات بثقة وإيمان. لذلك لا نخشى التحديات الجديدة ولا الصعوبات المحيطة بنا”.
وختم: “نحن ننظر إلى المستقبل بثبات، لأن يدنا على المحراث ولا ننظر إلى الوراء. فالجامعة قوة للكنيسة وقد ظهر ذلك من خلال عدد كبير من النشاطات، والدراسات، والخدمات التي قدمتها لشعبنا، ولتراثنا، ولتاريخنا. وهي قوةٌ للكنيسة لأنها ذراعها في مجالات هامة لا تدخل في سياق عملنا الكنسي المباشر. هي أيضا قوة للكنيسة لأنها تفتح لها مجال التواصل والتفاعل مع عالم الحداثة على أرضية علمية صلبة. هذه خصوصية الجامعة في منظومة مؤسساتنا، ومن هنا اهتمامنا الكبير بمواكبتها. إني أضرع إلى الله ليحفظكم جميعا ويسدد خطى كل العاملين في هذه المؤسسة والتي يحملون فيها المسؤوليات الجسام. فليبارككم الرب بنعمة من عنده، ولتظللكم على الدوام محبته”.
نحاس
والقى نائب رئيس الجامعة الدكتور جورج نحاس كلمة جاء فيها: “كل متتبع لنشوء الجامعة يعي أن يد الله رعتها وباركت جهود العاملين، ونوايا المتبرعين، وسهر المسؤولين، وأولهم المثلث الرحمات البطريرك إغناطيوس الرابع. في الذكرى العاشرة للتأسيس أصدرت الجامعة كتابا ضمنته العديد من المعطيات التاريخية والحوادث، والأسماء، والمعلومات العائدة إلى الأبنية، والمتبرعين بها، ونشوء الوحدات الأكاديمية.
اضاف: “كانت المحطة الأساس قرار بناء الجامعة في البلمند في فترة كان لا يزال فيها لبنان يعيش آلام الفرقة والعنف بين أبنائه. ثاني المحطات كانت في الإجابة على السؤال: ماذا سيكون شعار الجامعة؟ وكان الجواب من صاحب الغبطة البطريرك إغناطيوس. فليكن الشعار: “والحق تعرفونه”، لذلك كانت المحطة الطبيعية التي تلي هذه المحطة هي انتقاء شعار للجامعة. فقر الرأي على رسم، يرمز إلى حضور الروح القدس الذي تأتي منه كل استنارة للأذهان، رابع المحطات كانت منذ سنة 1989، اعتماد برنامج مميز للثقافات والحضارات”.
وتابع: “أتت المحطة التالية بقرار من مجلس الأمناء الأول للجامعة، واتخذت وجهين: أولهما انتقال مركز الدراسات الأنطاكية إلى حضن الجامعة تحت اسم “معهد التاريخ والآثار والدراسات الأنطاكية”، وثانيهما تأسيس “مركز الدراسات المسيحية – الإسلامية” كوحدتين أكاديميتين أساسيتين في الجامعة. وكانت بعدها، محطة تختصر بتوجيه صريح من البطريرك إغناطيوس الرابع، لتؤكد أن الجامعة عربية الهوى، واللغة، والشهادة”.
واختتم الاحتفال بدعاء من جوقة معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي ووزع على الحاضرين العدد الخاص من مجلة الجامعة Balamand Times.