سوريا مريم والقدّيسين

mjoa Wednesday July 17, 2013 158

قطعوا رأس تمثال مريم “سيّدة نساء العالمين”. قطعوه في منطقة جسر الشغور السوريّة. لم ينزف التمثال دمًا. لم يتألّم. لم يذرف دمعة. لم يخف منهم. لم يرفّ له جفن. لم يصرخ مستغيثاً. لم تتسارع نبضات قلبه. لم يستجدهم كي لا ينزعوا رأسه عن جسمه. لم يقاومهم. لم يحاول الفرار. لاقى مصيره بصمت بليغ.

أن يقطعوا رأس تمثال مريم أو سواها من أصفياء الله أفضل، إنْ جازت المفاضلة، من أن يذبحوا إنسانًا من الوريد الى الوريد. فالتمثال يمكن تعويضه بآخر أو أكثر، أمّا الإنسان، فمَن يعيد إلى الأرملة زوجها، أو إلى اليتيم أباه، أو إلى الثكلى ابنها… ومريم لن تحزن على تحطيم تمثالها، لكنّها حتمًا ستحزن إلى المنتهى على كلّ إنسان يقتله أخوه الإنسان.

أن يقطعوا رأس تمثال مريم لن يضرّها بشيء ولن ينقص من مكانتها ولو مقدار شعرة. ولا شكّ في أنّ مريم ستبكي خطاياهم وتطلب إلى ربّها أن يسامحهم ويغفر لهم هذه الإساءة إلى أنفسهم، فالإساءة لن تطاول مريم لأنّ قداستها لن تُلطخ بأيديهم القذرة، بل مَن يقصد إهانتها هو وحده المهان.

مريم التي “اصطفاها الله وطهّرها واصطفاها على نساء العالمين”، المرأة الوحيدة التي ذكرها القرآن باسمها، السيّدة العذراء البتول الرزان الحَصان (بفتح الحاء) العفيفة الطاهرة، “التي لم يمسسها بشر”، والدة عيسى ابن مريم الذي جعله الله “آية للناس ورحمة منّا”، يجترئون على تلطيخها وتدنيسها. لكنّهم خسئوا وحبطت أعمالهم في الدنيا وفي الآخرة.

ليسوا مسلمين الذين حطّموا تمثال مريم، وإنْ حملوا أسماء إسلاميّة واتّبعوا بعض أحكام الإسلام. فتحطيم التمثال فيه مخالفة صريحة لسلوك أخلاقيّ مثاليّ تحلّى به محمّد نبيّ الإسلام الذي ميّز ما بين أصنام المشركين وتماثيل النصارى، فأمر بتحطيم الأولى وبالإبقاء على الثانية، لأنّه أدرك أنّ المسيحيّين لا يعبدون التماثيل، بل يكرّمون عبرها مَن تمثّله.

يجدر التذكير، هنا، بما ورد في “كتاب أخبار مكّة شرّفها الله تعالى وما جاء فيها من الآثار” لابن الوليد محمّد بن عبدالله بن أحمد الأزرقيّ، أنّه كانت في دعائم الكعبة “صور الأنبياء وصور الشجر وصور الملائكة وصورة إبرهيم خليل الرحمن وصورة عيسى ابن مريم”. ثمّ يذكر الأزرقيّ أنّ محمّداً يوم فتح مكّة “أمر بطمس تلك الصور فطُمست. ووضع كفّيه على صورة (أو تمثال) عيسى ابن مريم وأمّه عليهما السلام وقال امحوا جميع الصور إلاّ ما تحت يدي، فرفع يديه عن عيسى ابن مريم وأمّه”. وقد تلفت تلك الصورة بعد أكثر من ستّين عامًا من فتح مكّة، عندما قصف الحجّاج بن يوسف الثقفيّ، والي العراق الأمويّ، مكّة بالمنجنيق فهدمت الكعبة واحترق كلّ ما فيها.

أمّا إذا كان المقصود بالاعتداء على تمثال مريم ترهيب المسيحيّين، فنقول إنّ سوريا بولس وحنانيا وسمعان العاموديّ الحلبيّ وإليان الحمصيّ وسرجيوس وباخوس الرصافيّين والذهبيّ الفم الأنطاكيّ ومارون الحمويّ ومكسيموس الجولانيّ ويوحنّا الدمشقيّ، سوريا الشهداء القدّيسين والنسّاك والأبرار، سوريا التي تشهد فيها كلّ ذرّة تراب على مسيحيّتها، سيبقى فيها المسيحيّون شهداء المحبّة والسلام، شهداء حضور المسيح الدائم فيهم وفي سوريا العروس.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share