البلد

mjoa Saturday July 20, 2013 178

أنت وليد البلد ولست فقط مولودا فيه. أنت تجيء من تاريخ ومن حاضر. ان كنت من لبنان أو مشرقيا أنت محمول في ثناياك ومشاعرك وتطلعاتك. أنت محدود بالبلد وحامله بآن. تأتي اليه وان كنت عظيما يأتي اليك. أنت من جسده وعلى قدر إحساسك به تأتي من تاريخه وتذهب إلى آتيه. تحيا به اذا أحسسته كثيرا أو قليلا. لذلك ليس له من بديل فيك. إلى حد ما هو مكونك وان صرت عظيما تكونه. وكما تأتي من حشا امك ومن إرثك كله ولو كنت روحيا عظيم الاستقلال بما يحيط بك.

ما من انسان منعزل عمن جاء بهم وعما يحيط به. على صعيد النفس المتصلة بسائر النفوس ما من عزلة أو فردية. الإنسان جماعي التكوين أو شركوي. يعرّفه انتماؤه إلى جماعة وهي تعرف بانتمائها إلى عظمائها. كل منا يحافظ على شخصيّته الروحية في ملكوت السماوات وفي مواهب الروح الإلهي. البلد، أولا، جماعة قائمة في تعدد المواهب والتقائها. والجماعات الصغيرة كذلك. أنت لست في كل ولست جزءا من كل. كلّنا فريد وبعض من الجماعات الموهوبة فريدة في كليتها.

البلد هو كل الجماعات متعاونة، متحابة. هو ميراثنا أي ماضينا الحي فينا وتوقنا إلى المستقبلات الصالحات. ولعلّ ما يزيدنا فاعلية وبهاء تلاقي كل الصالحين والفاهمين والمريدين بناء مجتمع واحد متلاقية فئاته وحركاته الصالحة ابناء وطن. البلد موروث تاريخا وتوق إلى مستقبل له فاضل. صح انه متعدد ولكنه كذلك على رجاء لقاء كل جماعاته بالسعي الكبير والانتاج الطيب. اذ لا يصح الكلام عن التعدد الا بالكلام عن المواهب المختلفة المتلاقية بالإبداع.

وقد يزيد لبنان جمالا اذا سعت هذه المواهب المختلفة إلى توحدها في العطاء وتكاملها في السعي. هذا هو الانصهار الحق أو الانصهار هو تلاقي الألوان في تعددها ووحدتها بآن.

ليس من بلد ينشئ تعدده. يرثه من مواهب الأجيال السابقة واختلافها في إرادة وحدتها. وعندنا ان ادياننا مصادر مواهب متنوعة. ان تقول جماعة دائما قولا واحدا نوع من أنواع الببغائية. الوحدة في التناغم أي في تعدد الألحان المتلاقية في أصوات مختلفة ولكنها كلها جميلة.

وان تعدد الأديان والمذاهب فيه غنى روحي وحضاري. والحضارة بنت الروح المتجلية الخلاقة. ومن قرأ الأديان عندنا في الحق يكشف فهما يغنينا جميعا. ان يقرأ المسيحي الخاشع الإسلام على حقيقته وفي سمو كباره لمن الاثراء العظيم لنا جميعا. وان يقرأ المسلم المسيحية في صفائها لإغناء لنا جميعا أيضا. أنت غني في ما تقول ولكنك تستغني أيضا بما يرثه عمقك من التراثات الروحية التي عليها نقوم. الينابيع تتلاقى في ما تصب أي في النفوس العطشى إلى الحق.

أنا لست بقائل بوحدة الرسالات في ما تقول اذ لا تقول هي الشيء الواحد. أنا أقول انك ان فتشت عن الحق تجده في ما أنت تفتش عنه. انت بهي بما تسعى اليه اي في حركة سعيك أو تحرك قلبك ليس كل ما كتب واحدا ولكن الحق الذي تتوق اليه القلوب واحد وهذا ما بعد الكلمات أو قبلها. لذلك نقول في اللاهوت المسيحي المعاصر ان من كان على غير ديانتك ان كان طاهرا لله يقرأ الله حيثما سعى اليه لأن الله في السعي أيضا.
البلد ليس حدوده. البلد أهله. فان كنت من أهله حقا يقرأ حبك لهم ما يقولون. وحبك لهم يكشف لك ما يعنون في ما يقولون.

والبلد ليس جغرافيته. هو ما يقوله أهله انهم ورثوه من أسلافهم الصالحين وما يقوله الصالحون فيهم اليوم. البلد ليس لقاء طوائف. هو لقاء الصالحين من كل الطوائف لأن كل هؤلاء هم بمعنى ما ملة ابراهيم. والتعريف عن ابراهيم في كتبنا انه آمن بالله وحسب له ايمانه برا. البلد، قلت، ليس مدى. انه اعتراف بالحق وقولة حق إلى ان نصبح فقط مدى الله في قلوبنا وفي ما نعلّمه. ما ليس قولة الله في أفواهنا ليس بشيء. الحق ما ينزل على شفاهنا من الرب. بعد هذا نصير بشرا سويًا.

واذا غدونا كذلك نصبح مدى الله ويصير الله معروفا بنا. الله ينكشف بعباده اذ يتكلّم على وجوههم وفي ما ينطقون به من حق.

البلد من هذا الحق إلهي أو ليس من مدى إلهي في هذا الكون. الله يمحو بلدا ليس فيه حقه حتى يصير الله “كل شيء في كل شيء”.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share