تجليات دمشقية : أحد شفاء عبد قائد المئة

mjoa Monday July 22, 2013 166

الله بعدما كلّم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة كلّمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه..” (عبرانيين 1 : 1 – 2)
وكلام الابن نعرفه بالروح القدس، الذي يعطينا فهم تقليد الكنيسة المكتوب (الكتاب المقدس)، والشفهي ( شهادة حياة الكنيسة)
… نورد فيما يلي أسبوعياً قبساتٍ من تجليات الرب في رعاياه الدمشقية (في أبرشية دمشق)، تعكسها لنا شهاداتٌ وعظاتٌ لآبائنا خدام الكلمة، الكارزين بالقائم من الموت لأجل خلاص العالم

عظة هذا الأسبوع لقدس الشماس باسيليوس خميس

الأحد الرابع بعد العنصرة
شفاء عبد قائد المئة
مت 8: 5 – 13

 

إنجيل هذا اليوم، يروي حادثة شفاء يسوع لعبد قائد المئة. نجد في الرواية عدة إشارات لتواضع قائد المئة أمام يسوع، يدعوه مُنادياً إيّاهُ “يا رب” وإذا قارنّا بين المُتحاورَين نجد بأنَّه هو أيضاً، أي قائد المئة له سلطانٌ، وهذا قد اعترف به بلسانه عندما قال ليسوع: “لأَنِّي أَنَا أَيْضاً إِنْسَانٌ تَحْتَ سُلْطَانٍ. لِي جُنْدٌ تَحْتَ يَدِي. أَقُولُ لِهَذَا: اذْهَبْ فَيَذْهَبُ وَلِآخَرَ: ايتِ فَيَأْتِي وَلِعَبْدِيَ: افْعَلْ هَذَا فَيَفْعَلُ”. سلطان الأول أرضيّ وأما الآخر فهو إلهيّ الاعتراف بهذا السلطان من قائد المئة جاء ضمنيّاً حيّن تقدم إلى يسوع طالباً شفاء عبده.

في مواضع عديدة من الروايات الإنجيلية نجد التدرج في حوار يسوع مع طالبي الشفاء فيبدأ الطلب على مستوى الشفاء الجسدي وهنا يكون تدخل يسوع برفع المستوى من مجرد شفاء جسدي إلى اعتراف ايماني.

طرح قائد المئة مشكلته أمام يسوع، فتفاعل يسوع مع طلبه وبادر إليه بالقول: “أَنَا آتِي وَأَشْفِيهِ”. فيعود تواضع قائد المئة ثانيةً، ليرفع سقف المبادرة التي سيقوم بها يسوع. “يَا سَيِّدُ لَسْتُ مُسْتَحِقّاً أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَ سَقْفِي لَكِنْ قُلْ كَلِمَةً فَقَطْ فَيَبْرَأَ غُلاَمِي”. نلاحظ هنا التدرّج في مبادرة يسوع نحو قائد المئة. فالموضوع ليس مجرد حادثة شفاء بقدر ما هي إظهار لقدرة إيمان شخص. وأيُّ شخص هو، شخص ذو نفوذ أرضي. فالقدرة على منح نعمة الشفاء الجسدي تمّت بمبادرة يسوع، ولكن أيضاً بواسطة إيمان قائد المئة.   

نجد في رواية الشفاء أبعاد هامة تجعلنا نُمعن النظر في جوهرها، إذ أنَّ يسوع قام بأعاجيب مختلفة ولكن بقدر ما هي أعجوبة شفاء، ما هي إلّا دعوة لنا للخروج من السجن والسلاسل المكبلة بها ذواتنا.  من هنا فإنَّ يسوع لاحظ إيمان هذا الانسان الذي من المفترض وبحسب فهم  الشعب اليهودي للناموس هو ليس من المدعويين أبناء الملكوت، إذ أنّهُ رومانيّ. والدعوة منطقيّاً هي لأبناء ابراهيم واسحاق ويعقوب …..  نلاحظ أنَّ كثيراً من الموانع كانت ستسبب تردداً لقائد المئة بالتوجه إلى يسوع. إذاً هذا الإنسان تخطى كل الحواجز فصار إبناً للملكوت. أي أنّ مبادرة قائد المئة أدت إلى تفاعل يسوع معه، وبالتالي إيمانه أدى إلى حادثة الشفاء.

 الحواجز بين يسوع وقائد المئة، كما نلاحظ من النص، هي كثيرة ونذكر منها:
•    اللغة والجنس: يسوع يهودي أما الآخر فهو روماني.
•    الرسالة: يسوع المُعلم ورجل الحكمة أما الآخر فهو رئيس مجموعة جنود.
•    النفوذ والقدرة: يسوع رجل عادي بسيط أما الآخر فهو قائد عسكري.
•    أبعاد المبادرة: يسوع يتكلم عن بعد إلهي، بينما قائد المئة لديّه طلب جسديّ.

الطريقة الوحيدة لتخطي هذه الحواجز هي الايمان بقدرة يسوع وسلطانه الإلهي.

قبول مبادرة يسوع مُقترنة برغبة وموافقة الانسان. في كل حادثة شفاء يطلب يسوع أو يسأل موافقة الشخص الذي سيتمّ شفاءه. وهنا، إنّ شغف وتوجه قائد المئة إلى يسوع ما هو إلّا إبرازٌ لرغبته وايمانه بقدرة يسوع على الشفاء. وهذا الشغف نَظَرَ إليه يسوع بتعجّب “اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ لَمْ أَجِدْ وَلاَ فِي إِسْرَائِيلَ إِيمَاناً بِمِقْدَارِ هَذَا”. من جهة ثانية يقدم لنا يسوع ضرورة التركيز على الجوهر أي طلب ملكوت السموات أولاً دونما الاهتمام بنواميس أرضية تبحث في الشكل. فتكون الإشارة إلى الآتين من المشارق والمغارب ليرثوا الملكوت المُعد لأبناء الله وهذا التحذير هو دعوة من يسوع في إنجيل اليوم للتحرر من الحواجز التي نضع فيها أنفسنا، لا بل بالأكثر، الانطلاق نحو يسوع الشافي بكلمته أسقامنا الدخلية ثمّ الخارجية.  

 

الشماس باسيليوس خميس
الأحد 21 تموز 2013


0 Shares
0 Shares
Tweet
Share