تجليات دمشقية : الأحد الخامس من العنصرة

mjoa Monday July 29, 2013 163

الله بعدما كلّم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة كلّمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه..” (عبرانيين 1 : 1 – 2)
وكلام الابن نعرفه بالروح القدس، الذي يعطينا فهم تقليد الكنيسة المكتوب (الكتاب المقدس)، والشفهي ( شهادة حياة الكنيسة)
… نورد فيما يلي أسبوعياً قبساتٍ من تجليات الرب في رعاياه الدمشقية (في أبرشية دمشق)، تعكسها لنا شهاداتٌ وعظاتٌ لآبائنا خدام الكلمة، الكارزين بالقائم من الموت لأجل خلاص العالم

عظة هذا الأسبوع لقدس الأب عقيل الخوري

تكريم العذراء مريم

يتساءل البعض لماذا تحظى العذراء بكل هذا التكريم في كنيستنا الأرثوذكسية ؟ فنجيب :

ورد في إنجيل لوقا أن الملاك جبرائيل الذي ظهر للعذراء مريم يوم البشارة أطلق عليها اسم ” الممتلئة نعمة ” وقال لها ” إن الرب معها ” و ” إنها مباركة بين النساء ” وقد وجدت حظوة عند الله . وأخبرها أيضاً أن الروح القدس سيحل عليها وقوة العلي ستظللها فتلد ابناً يكون عظيماً وابن العلي يدعى ويملك على بيت يعقوب أبد الدهر ولا يكون لملكه انقضاء .

هذا ويذكر الإنجيلي نفسه أنه لما سمعت أليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها وامتلأت من الروح القدس فهتفت بأعلى صوتها : مباركة أنت في النساء ومباركة ثمرة بطنك من أين لي أن تأتي أم ربي إلي ؟ فما إن وقع سلامك في مسمعي حتى اهتز الجنين طرباً في بطني فطوبى لك يا من آمنت بأن ما بلغها من عند الرب سيتم , فقالت مريم : تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي لأنه نظر إلى تواضع آمته وسوف تكرمني جميع الأجيال .

إن هذه الأقوال تضفي كرامة عظمى على العذراء مريم فالله نفسه يدعوها بلسان الملاك الممتلئة نعمة وأليصابات تقول بإلهام من الروح القدس إنها مباركة بين النساء وأم ربي .

ويوحنا المعمدان يهتز طرباً وهو جنين في بطن أمه لدى زيارتها والدته . والعذراء مريم نفسها تمجد الرب وتتنبأ أن جميع الأجيال ستمجدها وتغبطها .

لكن بع الناس يرفضون حقيقة العذراء فيتساءلون : إذا كان المخلص هو السيد المسيح , فلماذا تحظى العذراء مريم بهذا المقدار من التكريم ؟ بالحقيقة إن ذلك ليس صعب الإدراك , فتجديد العلاقات مع الله , وتجديد طبيعة الإنسان بطبيعة المسيح الإلهية ومساهمة الطبيعة الإنسانية بالحياة الإلهية , أمور تحققت كلها بتأنس المسيح في أحشاء مريم العذراء , ومهما قدمنا نحن البشر من أنواع التكريم لها لن نصل البتة إلى تلك الكرامة التي منحنا إياها الله نفسه لما تجسد في أحشائها وجعلها والدة الله , هذا ويدعونا الله المتأنس إلى أن نكرم والدة الإله كونها أداة تجسده , وإلا فكيف نستطيع أن نشهر إيماننا بيسوع المسيح الإله , الإنسان ؟!

هذا وكما أشرت أن الكتاب المقدس نفسه يشهد لتكريم العذراء وينسبه إلى من تجسد منها أي يسوع الإله المتأنس : لأنه نظر إلى تواضع أمته فها منذ الآن تطوبني جميع الأجيال . ونحن إذ نكرم العذراء مريم إنما نفعل ذلك لأن المسيح نفسه قد كرمها أولاً ولأن الكتاب المقدس يأمرنا بذلك . نحن نؤمن طبعاً أن العذراء ليست مصدر الخلاص , لأن مخلصنا هو المسيح الذي أخذ البشرية وشفاها وأصبح بالنسبة إلى الإنسان آدم الجديد , الجذر الجديد لكن هذا الجذر نبت في أحشاء مريم . العذراء مريم هي أول من عاش مساهمة الطبيعة الإنسانية في الحياة الإلهية والسر الذي أعاد اتصال الإنسان والخليقة كلها مع الإله المثلث الأقانيم . فقد اشتركت الأقانيم الثلاثة في عمل التجسد : الآب يرسل الابن فيتجسد بحلول الروح القدس في أحشاء العذراء .

وهكذا صارت مريم الجسد الذي وصل السماء بالأرض وأعاد كامل الخليقة إلى أحضان محبة الله .

تكريم العذراء مريم متصل دائما بشخص المسيح أي أنها تكرم دائما كأم للرب لذا تعلم الكنيسة الأرثوذكسية أن العذراء مريم غير مبررة من الخطيئة الأصلية لأنها هي أيضاً مثل سائر البشر وورثت طبيعة آدم الخاطئة إلا أنها حفظت من الخطايا الشخصية لأنها كانت إناءً مختاراً وممتلئة نعمة .

العذراء ابنة بارة لهذا العالم القائم وسط الخطيئة ولهذا فإنها تمثله بأكمله وتكون قادرة على أن تحمله إلى الاتصال مجدداً بمخلص العالم الذي تجسد منها وللسبب نفسه تنشد كنيستنا قائلة : ” يا من هي أكرم من الشيروبيم وأرفع مجداً بغير قياس من السارافيم يا من بغير فساد ولدت كلمة الله حقاً إنك والدة الإله إياك نعظم ” آمين .

 الأب عقيل الخوري

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share