يا بولس السماوي، قمّ، إرتد حلّة السماء وتفقّد بولس الأرضي مُرسَلاً من سماء جنحت عيناه إليها عمراً. قمّ يا بولس، فأهل السماء يقلقهم ما أصاب الحبيب من فعل الطبيعة وفعل أمراضها في بعض البشر. أسرع وكنّ، هذه المرّة، رسول السماء، لا الأمم، مُعلناً لأهل الأرض أن ذاك الذي وُلد بإبني الحبيب وفيه، به أيضاً أنا أسرّ.
… ربّي هاأنذا في صومعة الحبّ حيث أمرت. أراني أقف حيث يقيم مشدوداً إلى ركن غربيّ لا يعرف إلا البحر حدوداً! كأنّي بساكنه يأبى أن يحوط صومعته غير صفاء السماء وأن يُشغله غير العوم في سحر ما تعكسه على الأرض. كأنّي ربّي في عرينٍ ملكوتيّ لا يفوح فيه إلا عُطرك ولا يخيّم عليه غير لطفك ولا يُضاء بغير نور موصول بأقمار السماء. أراك ربّي هنا روحاً في كتاب وحياةً في إنجيل، أراك في إنحناءة إلى إيقونة نقشتها في الخشب وطأة الأوراق والأقلام. أراك، ربّي، فقيراً محمولاً في قلبٍ، وثورةً في عقل، ووهجاً في فكر. أراك، هنا، صدقاً وعيشاً، أراك صلاةً وحبّاً وفرحاً وانفتاحاً واحتضاناً وجمالاً وعدالةً وحريّةً. ربّي أراك هنا، كما هناك، كلاً في الكلّ. فلماذا ؟!
يا بولس السماوي، الرجل يُجيبك أنّ كلّ انتهاك للمحبّة هو من ثمار الخطيئة، وفي أيّ حال ثقّ أنّك مهما بلغت في محبتّي لن تدرك من حكمتي إلا القليل، فأسرع وأتمم المهمّة، عرّج على الناحيّة الأخرى وامسح جسد الحبيب، إمسحه من كلّ ألم وضيق وجرح وعدّ إلى حيث ستبقى أبواب السماء مفتوحةً، مفتوحةً إلى حين أن يملّ قلبه من الدعاء وشفاهه من تمتمات الصلاة وإن بعد ألف حين.