المفلوج

mjoa Monday August 5, 2013 326

المفلوج، عند الله، هو المأسور لخطاياه. لا يستطيع أن ينهض من ذاته، وليس أحد يقيمه غير يسوع. مرضُ النّفس والجسد، كلُّ مرض، بلا ﭐستثناء، أساسه روحيّ. اِستئسار الإنسان للخطيئة هو السّبب الكامِن وراء كلِّ مرض. ليس المرض من الله، ومن ثمّ ليس من تركيب الإنسان. ليس أحد خُلِقَ للمرض بل للصِّحَّة. المرض خلل، تشويش لخليقة الله. خطيئة آدم وحوَّاء أَدْخَلَتِ المرضَ والموتَ إليهما، ونحن ورثناهما عنهما. هل يعني هذا أنَّنا أبرياء؟ ليس تمامًا!

ما دمنا قد جئنا من آدم وحوّاء فلا بدّ أن يكون لنا ما لهما. الإنسان، بالمعنى الدّقيق للكلمة، لا يرث مرضًا بل ﭐستعدادًا للمرض. صحيح أنّنا ما كنّا لنمرض لو لم نرث الخلل الّذي أَحْدَثَتْهُ الخطيئة الشّخصيّة لآدم وحوّاء. ولكنْ، صحيحٌ، أيضًا، أنّنا ما كنّا لنمرض لو لم نتفاعل شخصيًّا، ويصحّ القول: نُفَعِّلُ شخصيًّا، الخلل الّذي فينا، الّذي أخذناه عن سَابِقِينَا بتعاطي الأهواء، بالسّلوك في الخطيئة. إذًا لنا دور ليس بقليل في ما نعانيه. نساهم، بشكل فعّال، في ما يصيبنا. هذا صحيح لدرجة أنّه بإمكاننا القول إنّ الضّرورة ليست مفروضة علينا أن نمرض. بإمكان الإنسان أن يتلافى المرض. طبعًا، هذا لا يحدث بقوّة الإنسان الذّاتيّة ولكنْ بنعمة الله.
 
الأب الشّيخ برفيريوس يقولها بصراحة: بإمكان الإنسان أن يعيش دون أن يمرض! بعض الآباء القدّيسين، كالقدّيس مرقص الأثينائي والقدّيس بائيسيوس الكبير، قضوا سحابة عمرهم ولمّا يمرضوا! إذًا، غير صحيح أنّ الضّرورة، في هذا الشّأن، موضوعة علينا. الأمر، إلى حدّ ليس بقليل، متوقّف علينا، لا فقط على ﭐستعداداتنا. فإذا ما أحببنا الله وسلكنا في وصاياه وساهمنا أسراره فلا شكّ أنّنا نُعفى من الكثير ممّا يعانيه ﭐلكثيرون ويصيب العديدين. هذا معناه، بكلام آخَر، أنّ أكثر ما يقع فيه الأكثرون مردّه، عمليًّا، لا خطيئة آدم وحوّاء، بل خطاياهم الشّخصيّة الّتي تفعِّل الخلل الكامن فينا نتيجة خطيئة الجَدَّيْن الأوَّلَيْن! الإنسان، إذا ما ﭐجْتَهَدَ وسلكَ في الإلهيّات، فإنّ النّعمة الإلهيّة تلجم الخلل الّذي فيه، كَمَن يأكل الملفوف بـﭑنتظام، مثلاً، فيكون له الملفوف مُسَيِّلاً طبيعيًّا للدَّم يحميه من نشاف الشّرايين وتخثُّر الدَّم! طبعًا، هذا الكلام لا يعني، أبدًا، أنّ الإنسان الرّوحيّ لا يمرض في جسده. يمكن له، طبعًا، أن يمرض. لكنْ، المرضُ لا يكون مفروضًا عليه بفعل السّقوط. المرضُ، في هذه الحال، يكون تدبيرًا روحيًّا من الله، للمنفعة الرّوحيّة ولتمجيد الله، لا واقِعًا غاشِمًا ناجِمًا عن الخلل الّذي في الإنسان. المرض يصير له، إذًا، مضمونٌ روحيّ لديه. يصير للمنفعة. يستحيل أداة للصِّحَّة والعافية الدَّاخِلِيَّيْن، وهما الأهمّ!

هذا الكلام، من جهة أخرى، يتضمّن أنّ الإنسان الّذي يعاني في نفسه وجسده، وهو بعيد عن الله، وغريب عن الإلهيّات، بإمكانه أن يتعافى، داخليًّا، إذا ما تاب وآمن. بعد ذلك، ما يصير إليه، في النّفس والجسد، لا يعود هو المشكلة. فإذا ما ﭐعترف بخطاياه وأخذ حلًّا منها، إذا ما سلك في الوصيّة الإلهيّة، إذا ما ساهم القدسات بتواتر، إذا ما أحبّ الفقير، إذا ما صلّى بـﭑنتظام، فإنّ هذه، وما يعادلها، تكون الأدوية الحقّ، والعلاجات النّاجعة لكلّ علّة. الأدوية الّتي نعتمد عليها، عادة، والعلاجات الّتي نَخضع أو نُخضِع أنفسنا لها هي، بالأحرى، مسكِّنات أو مخدِّرات لها، حتمًا، آثارها الجانبيّة، وإن كنّا لا نعرف لا مداها ولا مقدارها، أكثر الأوقات!

كلُّ ما ليس من الطّبيعة، مِنْ خَلْقِ الله، يشوّش عليها، قليلاً أو كثيرًا، لا محالة! لذا، مضارّ المسكِّنات والمخدِّرات، أحيانًا كثيرة، تفوق فوائدها. الجواب، مقابل ذلك، في نهاية المطاف، هو المسيح والمسيح وحده! “تعالوا إليّ يا جميع المُتْعَبِين والثَّقيلي الأحمال وأنا أُريحكم”. هذا هو طبيب النّفوس والأجساد الأوحد… والحقّ! هذا هو القائل للمفلوج، لكلّ مفلوج، والكلّ مفلوج بخطيئته: “قمْ احمل سريرك وﭐذهب إلى بيتك”… وأنا بيتك، لو كنتَ تدري وتؤمن!

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share