المساكين

mjoa Wednesday August 14, 2013 181

“طوبى للمساكين بالرُّوح لأنَّ لهم ملكوت السَّماوات” (متى 5:3).

المسكين، كنسيًّا، هو كلّ من جعلَ نفسه مسكنًا لله، مسكنًا للرُّوح القدس. بهذا المعنى تأتي، أيضًا، عند متَّى (11: 5 )”المساكين يُبَشَّرُون”. أمَّا في إنجيل لوقا فالعبارة تأتي بالكلمة “مساكين” مُنْفَرِدَة “طوباكم أَيُّهَا المساكين لأنَّ لكم ملكوت الله” (لوقا 6: 5).

ممَّا لا شكَّ فيه أنَّ عبارة لوقا، وهي الأقدَم، تُشِيرُ إلى المحتاجين بصورة عامَّة، أعني إلى الفقراء.
الرَّبُّ يسوع المسيح لم يكن ضِدّ المال وضِدّ الغِنَى، لكنَّه يُشِيرُ إلى خطرِه على الإنسان عندما قال : “لا تَقْدِرُونَ أن تَعْبُدُوا رَبَّيْنِ الله والمال”. (لوقا 16: 13).

العِبَادَةُ والعُبُودِيَّةُ في اللُّغَةِ واحِدَة. أنا عبدٌ لله وإن كنتُ ﭐبْنًا له لأنِّي أَعْشَقُهُ، لذا أَسْتَعْبِدُ نفسي له بالمحبَّة الغزيرَة. هذا ما يمكن أن ينطَبِقَ أيضًا على الغنيّ بالنِّسبة للمال. إذًا، يمكن أن يأسُرَكَ المال أو الأرزَاق أسرًا رهيبًا فلا يبقَى عندئِذٍ في القلبِ أيّ مكانٍ للرَّبِّ يسوع أو حتَّى للقريب بحسب قول الله:

“أَحْبِبِ اللهَ من كلِّ قلبِكَ ومن كلِّ نفسِكَ ومن كلِّ فكرِكَ وقريبَكَ كنفسِكَ” (متى 22: 37-39). المسيحيَّةُ دعوةٌ في سبيل الفقراء، لكن ليس بمعنى الدَّعوة إلى الجهاد في سبيل إقامَةِ نظامٍ سياسيّ أو ثورة إجتماعِيَّة. إنَّها دعوة لإقامة ملكوت الله راسِخًا في قلوب النَّاس على غرار ما فعل الرُّسل الأوَّلُون إذ “تركوا كلَّ شيء وتبعوه”. كلّ هذا لا ينفي مَيْلَ المسيحيَ الواضِح، إنطِلاقًا من إيمانه المُتَجَسِّد، بأن تكون في العالم عدالة معقُولَة.

* * *

إذًا، ماذا بعد هذا الكلام كلّه؟ ما معنى قول الرَّبّ: “طوبى للمساكين بالرُّوح لأنَّ لهم ملكوت السَّماوات” (متَّى 5: 3)؟
لا شكَّ أنَّ الرَّبَّ يسوع، كما ذَكَرْنَا سابِقًا، يتوجَّهُ، بحسب لوقا، إلى الفقراء ويطوِّبُهُم، ليس لأنَّهم مُعْدَمُون، مُحْتَاجُون إلى الخبز، بل لأنَّه بإمكانِهِم أن يُصْبِحُوا، بسهولة، فقراءَ إلى الله.

صعبٌ على الأغنياء أن يصيروا مساكين، فقراء إلى الله. قليلًا وقليلًا جِدًّا نراهم يَرْتَادُونَ الكنيسةَ ويعودونَ إلى الله. طبعًا، هذا ليس بمستحيل إذا تواضَعُوا وأَخلوا ذواتَهم من حُبِّ المال وﭐنطلَقُوا في سبيل العطاء وخدمة المحتاجين.

المهمُّ في كلِّ هذا أن نكون نحن المسيحيِّين، عباد الله، عاشِقِين إيَّاه ومعتبرينه كلّ شيء، كلّ الوجود.

المسكين المسيحيّ الحقّ هو من يعتَبِرُ نفسه لا شيء. وأنَّ الله عنده كلّ شيء، مثل الأب بورفيريوس الَّذي كان شعاره:
“المسيح هو كلّ شيء”.

                        + أفرام
                       مطران طرابلس والكورة توابعهما

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share