تجليات دمشقية : عيد رقاد السيدة العذراء

mjoa Friday August 16, 2013 219

الله بعدما كلّم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة كلّمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه..” (عبرانيين 1 : 1 – 2)
وكلام الابن نعرفه بالروح القدس، الذي يعطينا فهم تقليد الكنيسة المكتوب (الكتاب المقدس)، والشفهي ( شهادة حياة الكنيسة)
… نورد فيما يلي أسبوعياً قبساتٍ من تجليات الرب في رعاياه الدمشقية (في أبرشية دمشق)، تعكسها لنا شهاداتٌ وعظاتٌ لآبائنا خدام الكلمة، الكارزين بالقائم من الموت لأجل خلاص العالم

عظة هذا الأسبوع لقدس الأسقف أفرام معلولي

” قم يارب إلى راحتك، أنت وتابوت قدسك ”
                                                                  (مز 131: 8)
تأمل في رقاد والدة الإله

نُعَيِّدُ اليوم لعيدِ محبة الرب يسوع المسيح لأمه العذراء. أَحَبَّ الربُّ أمه، فنقلَها إلى قدس الأقداس الحقيقي الذي في السماء، لكيما تُوجَدَ الأمُّ حيث يوجدُ الابنُ فتملك معه. ألم يكن من العدل، يا ترى، أن يأخذ الرب يسوع أمه إليه، لتكون معه إلى الأبد؟!


أم الرب هذه هي ابنة راعي الخراف يواكيم؛ الراعي الذي اعتاد أن يجلب أفكاره إلى مراعٍ خضر نحو المياه الهادئة. هي أيضاً ابنة حنة العقيمة التي بدت جذعاً للغبطة مثمراً قد شفى عقم العالم أجمع. أمام هذا العجب كان لابد من ملاك ليعلن الحبل بتلك المزمعة أن تولد لتصير أُمّاً لله. كطفلة قُدِّمَتْ هذه الفتاة لتُكرَّسَ لله في هيكله المقدس، حيث تميزت بسلوكها الأكمل والأطهر من الآخرين. وبما أن الشريعة تمنع البقاء طويلاً في حضن المكان المقدس، عُهِدَ بها إلى يوسف. ولما حان ” ملء الزمان ” أرسل الله جبرائيل ليبشرها بالفرح، فحملت بالإله في بطنها لمدة تسعة أشهر كما يفرض نظام الطبيعة.

لكن هذه الفتاة غَلَبَتِ الطبيعةَ أولاً بحبلها وثانياً بولادتها. فقد حملت بالإله بدون رجل وبدون وجع الحمل. ولما كان ناموس الطبيعة يقضي بأن تفض أختام البتولية بالولادة، شاء المولود منها، لما رآها أنها على هذه الحال من العذرية ساعة الحبل به، شاء أن يحفظ أختامها سالمة عند الولادة. من أجل هذا حقاً دعيت عذراء، فتجرأ النبي حزقيال وقال فيها: ” إن هذا الباب سيكون مغلقاً لا يُفْتَحُ ولا يَعبرُ منه أحدٌ، لأن الرب إله إسرائيل سيدخل منه ويكون مغلقاً”.

في حياتها، لابد لنا من أن نذكر نقاوتها الكاملة وطاعتها غير المترددة. أما هي فبقيت طيلة حياة ابنها على الأرض ” تحفظ كل شيء في قلبها “. وعلى قدر ما حازت من أكاليل نصر في حياتها، هكذا أيضاً كانت غالبةً في مماتها. صحيح أنها خضعت للموت، ماثلة أمام نظام الطبيعة باحترام وإجلال. إلا أنها غَلَبَتْ ناموسَ الطبيعة الذي يقضي بأن تنفصل النفس عن الجسد عند الممات. فبعد موتها بثلاثة أيام أيضاً، لم يفسد جسدها العفيف، بل على العكس اتحدت نفسها الطاهرة به من جديد، وهكذا قامت صاعدة بالجسد لتعيش مع ابنها إلى الأبد. السماء استقبلت من ظهرت أسمى من السموات، وتعجبت من صعودها جحافل الملائكة متسائلين: ” من هذه الطالعة بكل بهائها؟ “.

لقد صدق كاتب التسابيح قائلاً: ” أيتها البتول الطاهرة، إن حدود الطبيعة قد غلبت فيك. لأن المولد بتولي، والموت قد صار عربوناً للحياة. فيا من هي بعد الولادة بتول، وبعد الموت حية، أنت تخلصين ميراثك دائماً “.

هذا السر إذاً لعظيم. سر رقاد، لا بل سر إحياء والدة الإله وانتقالها إلى السموات. فكما أن يسوع هو فائق على كل ما هو طبيعي، وأَجَدُّ من كل ما هو جديد، كذلك والدته، بخضوعها كمائتة لنواميس الطبيعة، قامت وغلبت هذه النواميس.

لذلك تحققت فيها رموز العهد القديم، فهي العليقة غير المحترقة وتابوت العهد وجرة الذهب وعصا هارون التي أورقت وأتون النار الممزوج بالندى واللهيب وسلم يعقوب الممتدة نحو السماء والجزة التي تكلم عنها داود والجبل غير المقتطع منه والألواح المكتوبة بإصبع الآب والملقط والشمعدان والمائدة.

عجب آخر حدث حين قِيدَتْ ينبوع الحياة إلى الحياة مروراً بالموت الذي خَضَعَتْ له على غرار ابنها الذي لم يرفضْ خبرةَ الموت.

هذه الفتاة تواضَعَتْ أكثر من كل الأنام، فغَدَتْ أكرم من الشيروبيم وأرفعَ مجداً بغير قياس من السيرافيم.

طفلةُ الهيكلِ الصغيرة التي اصطفاها الله فاقت كلَّ نساءِ العالمين كرامة.

تلك المخلوقة ربطت بين الخالق والمخلوق.

دمشق 12-08-2013
الأسقف أفرام معلولي
الوكيل البطريركي

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share