هنا الرُّوحانِيَّةُ مُرْتبِطَةٌ بالإيمان بالله، مُرْتَبِطَةٌ “بفَنِّ ﭐلعيش” لا بل مُرْتَبِطَةٌ أيضًا “بفَنِّ الموت”. إنَّ فَنَّ ﭐلحياة في ﭐلمسيحيَّة ليس مقاومة ﭐلموت أو رفضه بل هو ﭐنتِصَار على ﭐلموت بـﭑلموت فيُضْحِي ﭐلموت بابًا إلى ﭐلحياة ﭐلأبديَّة.
في ﭐلمجتمع ﭐليوم أولَوِيَّة مُعطَاة لهموم ﭐلإنسان. يُفتِّش ﭐلإنسان عن سعادته بيده ويحاول أن يُبعِد ﭐلألم وﭐلمرض وحتَّى ﭐلموت قدر ﭐلمُستَطَاع. هل هذا يعني أنَّه بذلك يرفُض الله ولا يريد أن يَربُط ألمه وحتَّى فرحه برجاء ﭐلخيرات ﭐلمُستَقْبَلَة؟
نحن نحمل في داخلنا ذكرى حياة ﭐلفردوس، الحياة ﭐلأزَلِيَّة حيث لا وجع ولا حزن ولا موت بل حياة أبديَّة بلا موت. الإنسان ﭐلمسيحيّ باستطاعته ﭐليوم وفي كلّ آن أن يعيشها (الحياة ﭐلأبديَّة) عن طريق السُّكْنَى مع الله في صمت وهدوء، شرط أن يتحَرَّر، ولو قليلًا، (بالاِنضباط) من أهوائه (ses passions). تصبح هكذا حياته باكورة ﭐلحياة ﭐلأبديَّة ﭐلموصوفَة في سفر الرُّؤيا (21: 4): “وسيمسح الله كلّ دمعة من عيونهم وﭐلموت لا يكون في ما بعد ولا يكون حزنٌ ولا صراخ ولا وجع في ما بعد”.
* * *
التَّحَدِّي، ﭐليوم، كامِن في مدى تحرُّر ﭐلإنسان من من التَّأثير النَّفسيِّ وﭐلجسديِّ للألم وﭐلمرض، فيما هو يعاني من وطأة فساد طبيعته ومعطوبيَّتها.
يقول الرَّسول بولس: “بإنسان واحد دخَلَت ﭐلخطيئة إلى ﭐلعالم وبـﭑلخطيئة دخل ﭐلموت، وهكذا ﭐجتاز ﭐلموت إلى جميع النَّاس إذ أخطَأَ ﭐلجميع” (رومية 5: 12). رُبَّ سائِل لماذا يسمح الرَّبُّ بالألم، بـﭑلمرض وبـﭑلموت؟ الله إله ﭐلمحبَّة والرَّحمة. الألم، ﭐلمرض وﭐلموت يفاجئُون كبرياءنا وثقتنا ﭐلمبالَغَة بقوَّتِنا. يقول القدِّيس يوحنَّا الدِّمشقيّ: “إنَّ الرَّبَّ سمح بـﭑلموت حتَّى لا يبقى الشَّرّ عديم الزَّوال”. الموت أضحى للمؤمن نعمة ورحمة. ما نستطيع أن نعطيه للمريض ﭐلمتألِّم هو بكلِّ بساطة أُذُنًا صاغِيَة، حضورًا واعِيًا صامِتًا. لا شكّ أنَّنا نجد في الصَّلاة صبرًا وتعزية كبيرَيْن. الحبُّ وحده، في ﭐلمسيح، بـﭑستطاعته أن يقهَرَ ﭐلألم وﭐلحزن وحتَّى ﭐلموت. هذا كلّه بـﭑستطاعته أن يُعطينا الرَّجاء بأنَّ ﭐلموت قد أصبح في ﭐلمسيح ﭐلقائِم مِعْبَرًا إلى ﭐلحياة.
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما