رئيس هذا العالم

mjoa Wednesday September 4, 2013 219

ليس مستغرباً أن يجعل المسيح السلطة إحدى أهم التجارب التي تودي بالراغبين فيها إلى الهلاك الأبدي. فقد قصده إبليس وأراه جميع ممالك الدنيا ومجدها، وقال له: “أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي”. فأجابه يسوع: “إذهب عنّي يا شيطان، لأنه مكتوب: للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد” (متّى 4، 8-10). لذلك، أيضاً، قال المسيح عن الشيطان إنه “رئيس هذا العالم”.


ما زال الشيطان “رئيس هذا العالم” (يوحنا 16، 11). ففي سبيل الحفاظ على السلطة، أو في السعي إلى حيازتها، لا يتوانى الطامعون عن ارتكاب المجازر وتهجير الناس وإحراق البلاد. يصبح، لدى هؤلاء، كل فعل شنيع مباحاً. ترخص حيوات الناس، يموت مئات الآلاف ذبحاً وقصفاً وسحلاً وخنقاً وإعداماً… فيتربّع الشيطان سعيداً لأنّه استطاع أن يجعل بعضهم خدّاماً طائعين له ولإغواءاته.

يقول يسوع: “لا تعبدوا ربّين: الله والمال” (متّى 6، 24). لقد أدرك يسوع أنّ المال والسلطة صنوان، وأنّ المال في معظم الظروف يُبعد الإنسان عن عبادة الله. لولا المال لما استطاع المتقاتلون أن يفعلوا شيئاً، لما استطاعوا أن يحصلوا على آلات الحرب القاتلة وذخائرها، لما استطاعوا أن يغذّوا ترساناتهم بأحدث الأسلحة الذكية الفتاكة. وعوض أن يُستثمر المال في خدمة الفقراء والمعوزين والمرضى والأرامل واليتامى، يُصرف في سبيل قتلهم وإبادتهم.

السلطة والمال ليسا سيئين في ذاتهما، بل يصبحان سيئين بكيفية استعمالهما. ونحن نصلّي في كنائسنا من أجل الحكّام السالكين في كل عمل صالح، لكي يسدّد الرب خطاهم في مخافة الله. لكن واقع الحال والخبرات التاريخية يفيداننا بأن قلّة عزيزة من الحكّام ومن الطامعين بالحكم تخشى الله وقضاءه. يجب أن يكون الحاكم قدّيساً كي يكون حراً من إغراءات السلطة والمال، فلا يسقط في التجربة.

ليس صادقًاً مَن يستبيح دماء الأبرياء وإهراقها على مذابح شهواتهم وآثامهم. ليس أغلى من الإنسان الذي جعله الله على صورته ومثاله. لا شيء يستأهل أن يُقتل طفل واحد في سبيله، فكم بالأحرى أن يُقتل آلاف الأطفال الذين لا ناقة لهم ولا جمل في بازار التقاتل على السلطة.

أضحت السلطة صنماً تُقدّم على مذابحها قرابين بشرية. يقولون إنهم يعبدون الله، فيما هم يُشركون به. يسجدون للشيطان، يقدّمون له أضاحي بشرية، يلتذذون برؤية الدماء، يسبّحون الشيطان ويشكرونه على ما تقترفه أيديهم من جرائم وآثام. هم سجدة الشيطان ومريدوه الأوفياء، وقد فاقوا الشيطان ذكاءً في أساليبهم الشرّيرة. هم أنهضوا الوثنية من قبرها وأحيوها بأفعالهم الشائنة.

ليتنا كلّنا فقراء، لا مال لدينا سوى ما يسدّ جوعنا وثمن طعامنا. ليتنا كلّنا فقراء، لا طمع لنا في شيء من هذه الدنيا، في سوى رحمة الله الواسعة ومحبّته الفائقة. “أريد رحمة لا ذبيحة”، يقول يسوع الناصري، ما يعني أن خدمة الإنسان لأخيه الإنسان لها الأولوية على عبادة الله.
أن ترحم الناس أهمّ، في نظر الله، من النطق بالشهادة والصلاة والصوم والزكاة والحجّ، وأهم بكل المقاييس من تحديدات الإيمان ومن العقيدة. الرحمة وحدها هي الدلالة على أننا بشر، لا وحوش جوعى وعطشى لالتهام لحوم البشر.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share