عندما خلق الله الإنسان، ذكراً وأنثى، ميّزه عن سائر المخلوقات وفضّله عليها كلّها بأمرين اثنين: طريقة الخلق، والنفخ فيه من روحه.
يخبرنا سفر التكوين في روايته الأولى عن الخلق بأن الله قال: “لنصنع الإنسان على صورتنا ومثالنا (…) فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكراً وأنثى خلقهم” (1، 26-27). لكنّه عندما خلق باقي المخلوقات والموجودات لم يقل الله “لنصنع النور (أو سواه)”، بل “ليكن النور”. والفارق بين خلق الإنسان وخلق سائر المخلوقات واضح، إذ إن الله أوجد الخليقة بأمر منه، أما الإنسان فقد صُنع بيديه. أما المقصود بـ”يدي الله” فليست اليدين الجسديّتين، بل ما ترمز إليه من تكريم الله للإنسان وتشريفه له.
ويفيدنا سفر التكوين في روايته الثانية عن الخلق بأن الربّ الإله “جبل الإنسان تراباً من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة، فصار الإنسان نفساً حيّة” (2، 7). لو كان الإنسان مجرّد تراب وحسب، لكان كسائر المخلوقات الحيّة. لكن الله نفخ فيه من روحه، فجعله أعظم من سائر الخلائق.
وفي ذلك يقول القدّيس باسيليوس الكبير (+379): “ونفخ في أنفه. أي آتاه نصيب نعمته، ونال شرفاً عظيماً، لكونه خُلق على صورة الخالق، فحصل على كرامة تفوق كلّ موجود آخر”.
اللافت أن القرآن يلتقي وكتاب التكوين على الرواية نفسها عن خلق آدم. فالآية القرآنية تقرّ بأن الله خلق الإنسان من طين “ثمّ سوّاه ونفخ فيه من روحه” (سورة السجدة، 9). يبقى أن الله الذي كرّم بني آدم، “وفضّلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلاً” (سورة الإسراء، 70)، وهب الإنسان من روحه ما لم يهبه لسواه من خلقه. هي نفخة ميّز الله بها الإنسان فتجعله أهلاً للتشريف والتكريم.
من البديهي القول إن آدم لم يكن يهودياً، ولا مسيحياً، ولا مسلماً. كان بلا دين. كان بلا كتاب ولا شريعة. أحبّه الله وحسب، وأسكنه في جنّته. وعندما سقط آدم، لم يتراجع الله عن محبّته أو عن رحمته تجاه كل بني آدم… ومع نشوء الديانات لم يتبدّل هذا الوضع، فالإنسان، إلى أي دين انتمى، أو حتّى لو كان ملحداً، تسكنه النفخة الإلهيّة ولا تفارقه. لم يشترط الله على الإنسان اعتناق ديانة من الديانات كي يجعل فيه نفخته. النفخة موجودة في الإنسان منذ مولده ولا تفارقه، وإن فارق هذا الإنسان الله.
مع التباين الطبيعي ما بين التراثين المسيحي والإسلامي في ما يخصّ هذه المسألة، هما يتّفقان على القول بفرادة الإنسان، وبأنه يتحرّك بنفخة إلهية تحييه إلى الأبد، وإنْ كان عبوره بالموت الجسديّ حتمياً. فحياة الإنسان، إذاً، ليست ملكاً لأحد، ولا يحقّ لأحد أن يضع حدّاً لها، أو أن ينزعها منه. فكم بالأحرى حين يتمّ سلب حياة الناس باسم الله، الله الذي وضع في الإنسان أمانة غالية وطالبه بالمحافظة عليها وبتكريمها وبتشريفها.
يسعنا القول إن الله الخالق، وفق الديانات التوحيديّة الثلاث، هو إله الحياة، لا إله الموت. إلهكم القاتل لا نعترف به ولا نعبده ولا نسجد له. لكم إلهكم ولنا إلهنا.