في الجهاد الرُّوحيّ للأب بورفيريوس الرَّائي

mjoa Friday October 4, 2013 278

“يا أيُّها العالم الباطِل، يا أيَّتها البشريَّة المخدوعَة! ليس فيكِ شيء صالِح، الكلّ أكاذيب، الكلّ خِداع، يخدعُنَا، يمكُرُ بنا، يلهو بنا، يُظهِر لنا سنين ومواهب وصحَّة مديدة…” (الشَّيخ يوسف الهدوئيّ).
 
هذا ليس تشاؤمًا وإنَّما هي الحقيقة وكلّ الحقيقة لأشخاص ﭐستَنَارُوا بالرُّوح ورأوا بأنَّ العالم وكلّ ما فيه باطِلٌ وخَدَّاع. اِكتشَفُوا أنَّه لا نجاة لنا إلَّا بيسوع المسيح ﭐبن الله الوحيد وأحد أقانيم الثَّالوث القدُّوس. اليوم نحن نرى الموت أمامنا في كلّ ساعة، ونرى أضاليل العالم تملأ الكون. حروبٌ وﭐضطهاداتٌ، مكرٌ وأكاذيب. ونسأل أين هو الله؟، وما هي إرادة الله في كلّ هذا؟.


 
لا تسأَلْ ولا تنخَدِعْ بالشَّيطان الَّذي يوهِمُكَ أنَّ الله غير موجود. صحيح أنَّ الأيَّام عصيبة، لكنَّها ﭐمتحان قويّ للإنسان المجاهِد ليقرِّر ويختار ماذا يريد: الله أم العالم؟، الخلاص أم الهلاك؟؟. “لا تُشَاكِلُوا هذا الدَّهر بل تغيَّروا عن شكلكم بتحييد أذهانكم لتختَبِروا ما هي إرادة الله الصَّالِحَة المَرْضِيَّة الكامِلَة” (رو 12: 2)، ويُضيف صاحب الرِّسالة أنَّ “الجميع أخطأوا وأعوَزَهُم مجد الله” (رو 3: 23).
 
ليس المهمّ أن تُخطِئ، لكن الأهمّ أن تنهَض من خطيئتك في نفسِ اللَّحظةِ الَّتي سقطتَ فيها. هذه الحياة أُعْطِيَتْ لكَ للتَّوبة فلا تُضيِّعْها في مَسَاعٍ باطِلَة، يقول أحد الآباء.
 
المفتاح بيدك أيّها الإنسان، عُدْ من حيث أخطأَتْ إلى الله ولا تتعلَّل بعلَلِ الخطايا. لذلك، يقول الأب بورفيريوس الرَّائي أنَّ الإنسان سِرٌّ، وأنَّنا نحمل في داخلنا ميراثًا أبديًّا، هو كلّ الصَّلاح الَّذي عاشهُ الأنبياء القدّيسون والشُّهداء والرُّسل، وخاصَّة ربّنا يسوع المسيح. ولكنَّنا نحمل أيضًا الشَّرّ الموجود في العالم من آدم حتَّى اليوم. كلّ ذلك هو فينا وكذلك الغرائز، والكلّ يطلب إرضاءً. فإذا لم نُرضِهِم، سوف ينتقمون منّا وقتًا ما، إلَّا إذا حوَّلْنَاهُم في اتِّجاه آخَر، نحو الأسمى، نحو الله. لأجل ذلك ينبغي أن نموت عن الإنسان العتيق ونلبَسَ الجديد، هذا ما نعترف به في سرّ المعموديَّة. بالمعموديَّة ندخل إلى فرح المسيح. هكذا تأتي النِّعمة الإلهيَّة بواسطة الأسرار.
 
هل نُدرِكُ أنَّ النِّعمة الإلهيَّة تأتي بواسطة الأسرار؟ وكم نهمل نحن هذه الأسرار، وخاصَّةً سرّ الشُّكر الَّذي فيه نأكل المسيح الحياة لكي تجري في عروقنا الحياة من جديد بعد أن سادتها الخطيئة والموت. الخوف، يا إخوة، ليس من الموت الجسديّ، هذا تحصيل حاصِلٌ والكلّ سوف يموت، مَنْ بَقِيَ من البَدْءِ وأصبح خالِدًا؟. لا أحد. وحدهُ الباقي أزليًّا هو الله! الخوف، يا إخوة، هو من الَّذي يقتل النَّفس مع الجسد، هذا ما قالهُ الرّبّ يسوع في إنجيله (متّى 10: 25): “بل خافوا بالحريَّ من الَّذي يقدرُ أن يُهلِكَ النَّفس والجسد كِلَيْهِما في جهنّم”. لأجل ذلك ينبغي أن يموت الإنسان العتيق يوميًّا بالتَّوبة، أن تموت فينا الأنا السَّائِدَة والَّتي ستُفْنِي العالم. يا ليتنا نُصبحُ فعلًا ممتلِئِين، مُفعَمِين من الرُّوح القدس، لأنَّه هنا يَكْمُنُ جوهرُ الحياة الرُّوحيَّة الَّذي هو فَنُّ الفنون. عندما نربح المسيح، يقول الأب بورفيريوس، “سيحوِّل كلّ شيء في داخلنا، سيجلب السَّلام والفرح والتَّواضع والمحبَّة، الصَّلاة والتَّسامي”. ويُضيف: “بدون المسيح يستحيل علينا أن نُصلِحَ ذواتنا، ولن نتمكَّن من التَّحرُّر من الأهواء، وحدها محبَّة المسيح هي العلاج الأفضل للأهواء”.
 
لا تخافوا يا إخوة رغم الهوان الحاصِل، إنَّ الله وضع في نفس الإنسان قوّة، أمَّا كيفيَّة تحويلها إلى الخير أو الشَّرّ فهذا يعود إلى الإنسان. إذا شبَّهنا الخير بحديقةٍ فيحاء مليئة بالأزهار والأشجار والنَّباتات، وشبَّهنا الشَّرّ بالأشواك، والقوَّة بالماء، عندئذٍ من الممكن أن يحدث التَّالي: عندما نحوِّلُ الماء إلى حديقة الأزهار، تنمو كلّ النَّباتات، وتَخْضَرُّ وتُزهِرُ وتحيا، وفي الوقت نفسه تذبُلُ الأشواك وتذبُل لعدم سقايتها. والعكس صحيح، لا حاجة للانشغال بالأشواك، لن نُصبح قدِّيسين بمطاردة الشَّرّ. ويقول الأب بورفيريوس “دعوا الشّرّ وﭐنظُرُوا إلى المسيح وهو سيخلِّصُكم. فبدل أن تقفُوا خارج الباب وتطرُدُوا العدوَّ، احتَقِرُوهُ. وإذا جاءكم الشّرّ من هنا، انصرِفُوا أنتم بأسلوب لطيف إلى هناك!”.

لنصرخ يا إخوة من الأعماق: “أيُّها الرَّبُّ يسوعُ ﭐرحمني”.
 
لنمتَلِئ من الصَّلاح لأنَّ كلّ شيء مع المسيح هو مُسْتَطَاع. عندما نُعطيه قلبَنا لن يبقى مجال بعد للأمور الأُخرَى: “يا بُنَيَّ أعطِنِي قلبَك ولتُلاحِظْ عيناك طُرُقِي” (سفر الأمثال 23: 23).
 
عندما يقول الكتاب: “أعطني قلبك” لا يعني به هذا القلب اللَّحميّ إنَّما كلّ الكيان. لذلك، عندما نُسلِم كلّ كياننا إلى الله لا مجال لتقديم أيَّة فضيلة، لأنّه هو سيمنحنا إيَّاها، هو سيُحرِّرنا من كلّ خيبة وخوف، فقط أَحِبُّوهُ ببساطة وتواضع وبدون إلحاح، وقولوا مع الرَّسول بولس: “مَن يُنقِذُني من جسدِ هذا الموت” (رو 7: 24). عندما نتحرَّك نحو المسيح هو سيأتي فورًا وستعمل نعمته فينا مباشَرَة.

أيُّها الأحبَّاء، المسيحيَّة ليست ديانة فلسفةٍ وتعقيد!، إنَّها ديانة كامِلَة وعميقَة وحكيمة. ما هو بسيط هو الأكثر قيمة. لِتَكُنْ محبَّتنا نحو الرَّبّ ببساطة ورقَّة ودون غضب. لأنَّ “إلهنا ليس إله تشويش بل إله سلام” (1 كور 14: 33).

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share