آباء الكنيسة والعقيدة القويمة

mjoa Monday October 14, 2013 166

إيمانُ كنيسَتِنَا الأرثوذكسيَّةِ نَقَلَهُ لنا عقيدةً آباءَها. والأب في الكنيسة هو المتكلِّم بروح الله في الإيمان القويم وتفسيرِهِ ونَقْلِهِ، وهو الحافِظ للعقيدة في الحقّ. أمَّا العقيدة فهي التَّعبير عن الكشف الإلهيّ حول الله المثلَّث الأقانيم والإيضاح لسرّ تدبير الله من أجل خلاص البشر والخليقة كافَّة.


 
الرُّوح القدس هو المُنشِئُ الآباء ومربّيهم، وهو المتكلِّم فيهم لتعليم حقيقة الإيمان بالمسيح. وهو الفاعِل كلّ شيء لإعلان الحقيقة المُطلَقَة وإزالة الحِجَاب عن السِّرّ الإلهيّ، إذ “بنوره نعاين نور” جوهر إيماننا المسيحيّ.
* * *
العقيدة لا تتغيَّر، لأنَّها التَّعبير عن الحقيقة الأزليّة الَّتي كُشِفَت لنا بيسوع المسيح في الروح القدس. حُدِّدَت العقائد الأساسيّة لإيماننا الأرثوذكسيّ في المجامع المسكونيّة السَّبعة. أوضح آباء الكنيسة هذه العقائد من خلال تعليمهم وكتاباتهم بلُغة عصرهم. فالعقيدة في صياغتها، لغةً، هي ﭐبنة زمان ومكان معيّنين، وهي في آنٍ معًا ﭐمتداد لكلّ ما سبقها في تحديد وتوضيح أُسس الإيمان. لذلك، كلّ مجمع مسكونيّ كان يؤكِّد ويصادق على ما ورد في المجامع الَّتي سبقته.
 
في كلّ زمان يرسل الله لكنيسته آباءً يحملون إرث الإيمان القويم ويحافِظون عليه، ويسلكون في الأمانة للحقّ شاهدين حتَّى الدَّم، إن ﭐقتضى الأمر. الرُّوح القدس الَّذي أوجد أثناسيوس الكبير وغريغوريوس اللَّاهوتيّ وباسيليوس الكبير ويوحنّا الذهبيّ الفم وغريغوريوس بالاماس وغيرهم، هو نفسه اليوم يوجد آباءً جُدُدًا ليكونوا شُهَدَاء أُمَنَاء لسرِّه (μυστήριον).
 
العقيدة هي حياة قويمة في إيمان ابن الله الَّذي أحبّنا وبذل نفسه لأجلنا (غل 2: 20). استقامة الحياة في المسيح من ﭐستقامة العقيدة. مَنِ ﭐنحرَفَ عن العقيدة القويمة ﭐنحرَفَ عن الحياة الحَقَّة في المسيح. ليست العقيدة مسألةً فكريَّةً أو تعليمًا نَظَرِيًّا. لو كانت كذلك، لما كان من معنى للسُّلوك فيها بـﭑستِقامة. لذلك، لا يستطيع نقل العقيدة إلَّا من عرفها حياة، أي من ذاقَ سِرَّ الوحدة في الثَّالوث وبه بواسطة المحبّة الإلهيّة المتنزِّلة عليه والسَّاكِنة فيه بالنِّعمة الإلهيّة. هذا هو الأب في الكنيسة، هذا هو المستقيم الرأي، هذا هو حافِظُ الإيمان القويم.
 
لذلك، نتمسَّك بثباتِ العقيدة من حيث حقيقتها السَّرمديّة، وننفتح على الرّوح القدس، باتِّضاع وتسليم كلِّيّ، لكي يهبَنَا أن نُعَبِّرَ عنها بلغة تناسب زماننا، حتَّى يكون المؤمنون عارفين الحقّ ومتجذِّرين فيه وشاهدين له في حياتهم لخلاصهم وخلاص العالم…

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share